” تأثير الفراشة ” والرياضيات

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في المجلة العلمية العربية للفتيان, الألكسو-تونس, العدد27, 2017)

     هل لحركة الفراشة أي تأثير على استقرار الكون الذي نعيش فيه؟ أي هل صحيح كما يقال بأنه :” إذا رفّت فراشة جناحيها في أدغال الأمازون في البرازيل فإن إعصاراً سيقع في تكساس بأمريكا “, على الرغم من المسافة الكبيرة الفاصلة بينهما. ثم ما علاقة كل ذلك بالرياضيات؟ أي هل صحيح أن الرياضيات تستطيع التعبير عن ذلك؟ وهل لهذه الفكرة أي أثر في حياتنا الشخصية, أو الاجتماعية؟

في ظلال الرياضيات … لماذا تقدموا، ولماذا تأخرنا؟

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في مجلة العربي – الكويت، العدد 691، يونيو 2016 )

   هناك سؤال قديم – جديد يُطرح دائماً على مستوى النخب العربية , وهو: لماذا تقدم الغرب , ولماذا تأخرنا؟. وثمة أجوبة عدة عليه من وجهات نظر مختلفة,سياسية, أو فلسفية, أو دينية, أو غير ذلك كثير. وتتفاوت صحة وجهات النظر تلك وفق طبيعة منطلقاتها, وخاصة مدى التصاقها “بالنموذج الإرشادي” Paradigm ( بالمعنى الاصطلاحي للكلمة)(1) للحقل المعرفي الذي تنطلق منه . وكثيراً ما تكون هذه المنطلقات غطاء لدوافع سياسية كامنة؛ لهذا تفتقر هذه الدراسات للموضوعية العلمية. والمقاربة المطروحة حالياً ,للإجابة على هذا السؤال,  تتسم بقدر كبير من التجريد, كونها تمتح من الفكر الرياضي, أكثر العلوم موضوعية. لأن الرياضيات, من وجهة نظر عديد من فلاسفة الرياضيات, تُكتشف ولا تُخترع, أي أنها ” هِبَة إلهية”, وفق ما يقوله أفلاطون (427-347 ق.م). وهذا سيمنح هذه المقاربة درجة كبيرة من الوثوقية, التي قد تفتقدها غيرها من وجهات النظر. إضافة إلى أنها تعتمد على أدوات عقلية بحتة, إلاّ أنها ليست ” وضعية ” , إذا سلّمنا بما يقوله أفلاطون. لهذا يصعب أن يشوبها بعض ما يشوب غيرها؛ و هذا يساعدها في أن تحافظ على ” طهارتها ” العقلية, إن جاز التعبير. ولذلك ستكون أداتنا الرئيسة في هذه المهمة أهم أدوات التفكير الرياضي, وهو ” التفكير المفاهيمي” المتحرر من طبيعة أي سياق. لأن التفكير ضمن السياق غالباً ما يكون ملاصقاً له , و متأثراً به . كما يمكن أن يطغى على ” العلاقات ” القائمة فيه , و يدثرها , مع أن هذه ” العلاقات ” هي المفتاح لفهم ما يجري , و ليس السياق , لأن ” العلاقات ” هي الصورة, والسياق هو المادة التي تظهر به هذه الصورة. ومن أجل ذلك لن نستخدم سوى المعايير العقلية في إجلاء هذه الصورة , و بلورة ما نصبو إليه ,متكئين في مسعانا على الفكر الرياضي . فضلاً عن ذلك فإن الرياضيات هي ” اللغة الكونية ” – إن جاز التعبير – التي وهبنا إياها الخالق كي نعبّر بها عما تعجز عنه اللغات الأخرى .

عندما تفكّر الأمة “من خارج الصندوق”؟

د. محمود باكير

   انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بخسارة دول المحور ( ألمانيا واليابان وإيطاليا ), وبعدها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ ألمانيا واليابان تحديداً دون إيطاليا, باشروا فيها نهضتهما الاقتصادية الباهرة والمستمرة إلى يومنا هذا. واللافت للانتباه في طبيعة تطور هاتين الدولتين أن ما يحدث, عادة, في حالة الشعوب المنهزمة هو انتظار لحظة مناسبة للانقضاض على الخصم, والانتقام منه, مهما طالت فترة الانتظار تلك. وهذا لم يحصل في حالتيهما, ويبدو أنه لن يحصل في المستقبل القريب. وقد يعزى السبب في ذلك إلى أن العقلية التي كانت وراء هذا الاختيار ( النهضة الاقتصادية بدلاً من الانتقام الحربي ) تفكر, كما يقال: ” من خارج الصندوق ” To think outside of the box . وهذا القول عبارة عن استعارة تعني أن تفكر بطريقة مبتكرة, غير تقليدية. وقد يكون دافعهم في ذلك أنهم أرادوا اختيار طريق مختلف عما سلكوه سابقاً. لأنه من المعروف أن من أسباب الحرب العالمية الثانية هو ” معاهدة فرساي ” التي وقعتها ألمانيا مع الحلفاء عام 1919 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. وقد كانت هذه المعاهدة – من وجهة نظر عديد من الدارسين – مجحفة جداً بحق ألمانيا, وترتب عليها دفع تعويضات مالية ضخمة للأطراف المتضررة, فضلاً عما طال سيادتها من انتقاص كبير. وهذا أفضى إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.

” شعرة ” معاوية… من منظور معاصر

د. محمود باكير

   ثمة قول معروف للخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان, يتداوله بعضنا, ولكن دون الإبحار في أعماق معناه, ومآلاته على اختلاف أنواعها. ومن هذا القول نقتطع جزءاً منه يذكر فيه : ” و لو أن بيني و بين الناس شعرة ما انقطعت. إذا مدّوها خلّيتها و إذا خلّوها مددتها “. و هذا القول يكتنز معاني يصعب حصرها, أو تثمين قيمتها, إلاّ من خلال الحياة العملية, بعد سبر أعماقها. فهو يفتح أمامنا نافذة معرفية ندخل من خلالها على عالم ثرّ من الفوائد. و محتوى القول, و عصارته, يركزّان على ” العلاقة ” مع الآخرين, و على إبقاء جذوتها حيّة معهم, بغض النظر عن طبيعتهم, لأن هذه الطبيعة ليست مهمة بالنسبة لنا, إلاّ بمقدار تأثيرها علينا.

الرياضيات… منهجاً للتفكير

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في مجلة العربي- الكويت, العدد689, أبريل/نيسان 2016)

   يقول الرياضي الأمريكي (الهنغاري الأصل) الفذ جون فن نيومان john von neawmann  (1903 – 1957) الذي كانت إنجازاته علامة فارقة على المستوى العلمي في القرن العشرين, في الرياضيات (البحتة والتطبيقية), وفي الفيزياء النووية,وفي الحاسوب,وفي الاقتصاد (أحد مؤسسي نظرية المبارزة Game theory ), وأحد المساهمين الرئيسيين في القنبلة الهيدروجينية, في أحد المؤتمرات التي كان متحدثاً رئيسياً فيها: “إذا كان الناس لا يقتنعون بأن الرياضيات بسيطة, فإن السبب الوحيد لذلك هو أنهم لا يدركون كم هي الحياة معقدة”. وهذا الكلام لا يعني أن الرياضيات بسيطة, لأنها في واقع الأمر غير ذلك تماماً, ولكن صعوبتها نسبية. فعندما نقارنها بتعقيد الحياة نجد أنها بسيطة. أما أولئك الذين يستسهلون الحياة, وعلى خلاف ما هي عليه حقيقة ً, فلربما يجدون صعوبة في الرياضيات. والسؤال, ببساطة, إذا سلّمنا بصحة مقارنة الرياضي نيومان, فأين يكمن تعقيد الحياة؟ وهل التعقيد في ماهية الحياة نفسها, أو هو سوء فهم من قبل الإنسان؟ وهذا السؤال يمكن الإجابة عليه, جزئياً, بالاستفادة من روح الرياضيات نفسها, أي من خلال التفكير الرياضي الحديث. فإذا كانت الرياضيات قد أوحت بالسؤال, فإنها يمكن أن تجيب عنه أيضاً, وهنا ربما يسأل بعضهم : ما    علاقة الرياضيات بذلك ؟

التنزيه الرياضي للذات الإلهية

د. محمود باكير

مما لاريب فيه أن الرياضيات أضحت تطول العديد من جوانب عالم “الشهادة”، بيد أن حالها خلاف ذلك تماماً بالنسبة إلى عالم “الغيب”، وستبقى كذلك وفق طبيعتها. غير أنه لاضير من استخدام الفكر الرياضي أداةً “لتبسيط” بعض الصفات الإلهية أو أكثر دقة لمحاولة مقاربتها أو فهمها، على الرغم من أن رب العالمين تنزَّه عن التمثيل بأي شيء سواء كان محسوساً أو مجرداً لأنه ليس كمثله شيء. فطبيعة عالم الغيب تفضي إلى انعدام الوسائل الكفيلة بالتعبير عنه، لذلك لامناص أثناء محاولة مقاربته، من البحث عن وسائل بديلة بين ظهرانينا. ونحن بذلك لن نتعرض “لطبيعة” الذات الإلهية التي يستحيل فهمها، بل سنحاول مقاربة فهم “فكرة” الخالق. خاصة ومن المعروف أنه قد أضحى : (ويرى عدد من الفلاسفة أن أيام تفسيراتنا القائمة على الفطرة والبديهة ……. قد انقضت )(1).

الرحلة من ” كذبة أبريل” إلى الحاسوب

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في مجلة العربي- الكويت, العدد696, نوفمبر 2016)

     من الأحداث الطريفة التي تحفل بها أدبيات ما تسمى “كذبة أبريل” Fools (Lies) Day April, التي تقع في الأول من إبريل (نيسان) من كل عام, هو ما نشرته الصحيفة البريطانية Evening Star في آخر يوم من شهر مارس (آذار) عام 1746م من أنه سيقام عرض للحمير في لندن في الأول من أبريل؛ فتجمع بعض الناس في ذلك اليوم, ولم يشاهدوا إلاّ أنفسهم! ويبدو أن هؤلاء لم ينتبهوا إلى تصادف الموعد المذكور مع الأول من أبريل. والسؤال الآن (وهذا هو المهم): ما هو المغزى الرياضي الذي تنطوي عليه هذه الطرفة؟ أي هل يمكن أن تستبطن هذه الطرفة فكرة مهمة؟ أو بمعنى آخر: هل يمكن للرياضيات أن تتصدى لدراسة مثل هذا النوع من الطرف؟ وكيف يمكن مقاربتها؟ وما هي ثمرة كل ذلك؟. لأن الصورة النمطية للرياضيات, عند الناس, هي أنها علم يهتم بالأعداد, والأشكال الهندسية, والحسابات, وما شابه ذلك. وهذه الصورة ناشئة من أن طبيعة الرياضيات المدرسية (وحتى بعض الرياضيات الجامعية في عديد من الاختصاصات التي تتطلب دراستها جزءاً من الرياضيات كمواد مساعدة) تركّز على إجراء “الحسابات”, وما تتطلبه من معادلات, وقوانين, للقيام بذلك. وأما ملامحها الفكرية, بتركيزها على منحى التفكير المفاهيمي, فلا تظهر إلاّ في مراحلها المتقدمة نسبياً, فضلاً عن أنها لا تكون دوماً على نحو ظاهر, أو مباشر.

فلسفة الإيمان من منظور الرياضيات

د. محمود باكير

نشر هذا المقال في مجلة الفيصل العلمية – السعودية, العدد 50 و51 , العام 2016

تعيب بعض المذاهب الفلسفية المادية على المؤمنين, في الديانات السماوية, بأنهم لا يستطيعون إثبات صحة معتقداتهم، وأنهم يتقبلون التعاليم الدينية عن طريق ” الإيمان “, لا ” المعرفة “. ويذهب بعضهم – ساخراً – إلى أن عالم اللاهوتيين ” غير المرئي “, هو أمر خفي مثل بذلة الإمبراطور الخفية في قصة الكاتب الدانماركي هانس كريستيان أندرسن Hans Christian Andersen (1805-1875) المعروفة.

بعض معوقات ضمان جودة التعليم العالي في البيئة العربية

د. محمود باكير

 

نشرت هذه الدراسة في مجلة التعريب- المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر -دمشق(التابع لمنظمة الألكسو), العدد52, حزيران/يونيو 2017

تُعد عملية ضمان الجودة Quality Assurance  في قطاع التعليم العالي على النحو المطروح الآن، جديدة على هذا القطاع، على الرغم من أنّ الإنسان اهتم منذ القدم بموضوع جودة أي عمل يقوم به. وهناك عدة أسباب دعت مؤسسات التعليم العالي في العالم إلى الاهتمام بهذا الموضوع، منها ,على سبيل الذكر لا الحصر، تنوع أهداف مؤسسات التعليم العالي، وظهور أنماط جديدة لهذه المؤسسات، وتنوع مستوى الشهادات والمؤهلات، والاعتراف المتبادل ,وغير ذلك. لذلك أضحت الجودة التعليمية واحدة من أهم تحديات التعليم عموماً، والتعليم العالي خصوصاً ,في عالم متنافس في ظل العولمة. لهذا أصبح هناك وكالات لضمان الجودة في عديد من الدول.

السياسة من منظور مختلف… من يشتري جهنم؟

د. محمود باكير

نشر في مجلة الدوحة – قطر العدد 115 مايو (أيار) 2017 التي تصدرها وزارة الثقافة في قطر

يصحو العالم وينام على إيقاع الاضطرابات التي أضحت باعثاً أساسياً لقلق الناس. فالعالم مثقل بالمشاكل الداخلية للبلدان, فضلاً عن تلك الخارجية بين الدول. وسبب ذلك, كما يبدو, يكمن في الطريقة التي يمارس بها بعض السياسيين عملهم السياسي. وهذا نابع, كما يُظن, من أن معظم هؤلاء يخالون أن “ذكاء” الرجل السياسي يتجسد في كيف يستطيع أن يؤذي غيره, دون أن يعلم به أحد. أو على الأقل يخطط بعضهم لتحقيق مصالحه, بغض النظر تماماً عن مدى الضرر الذي يمكن أن يلحقه بمصالح غيره, دون الأخذ في الحسبان انعكاس ذلك سلباً على مصالحه على المستوى البعيد. و “الرؤية” المطروحة هنا هي أن طاقة الرجل السياسي يجب أن تتجه نحو: كيف يستطيع تفادي إيذاء غيره. وهذا على خلاف ما يقوم به كثير منهم في ممارستهم السياسية. لأن الرجل السياسي الحاذق, والحكيم, هو من يستطيع مساعدة غيره في الوصول إلى هدفه, وليس في منعه, أو إعاقته في ذلك. وذلك لأن العالم كله عبارة عن “فضاء” واحد متفاعل. وهذا الكلام صحيح منذ القدم, وليس في العصر الحاضر فقط, كما يشير بعضهم. فالعالم كله فضاء متصل منذ أن خُلق الإنسان, والشيء الجديد أن تفاعل سكانه أصبح أسهل, و أسرع, بسبب وسائل الاتصالات الحديثة التي ساعدت على ذلك.