فك شيفرة الفكر الصهيوني من منظور الرياضيات

د. محمود باكير

     من المعروف أنَّ الرياضيات من أكثر العلوم موضوعية، وهي أداة فعالة في البحث عن كثير من الحقائق، وفي التعبير عنها. فلغة الرياضيات لا لبس فيها. ولهذا فلا ضير من استخدامها في إماطة اللثام عن بعض حقائق الفكر الصهيوني، خاصةً تلك المغلَّفة ببعض العبارات الغامضة التي يصطنعها – بطريق ممنهجة – بعض دهاة السياسة في إسرائيل لتحقيق أغراضهم  في الاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية. ولذلك سنحاول فك شيفرة هذا المنهج بتوسل الرياضيات, فهي, كما يقال: “تجعل غير المرئي مرئياً”.

لماذا يرحل العظماء؟

د. محمود باكير

خلق الله الموت تعظيماً للحياة وفق ما يقوله بعض الفلاسفة. فعلى الرغم من التناقض الصارخ بين طبيعتي الحياة والموت, فإن الحياة تستمد أهميتها ووهجها من حتمية الموت. هذا بغض النظر عن أن الموت حق. وما يعطي رحيل المتفردين معنى هو أن أثرهم في الأمة باق بعد رحيلهم. وفي هذا يكمن نبع صبرنا وعزائنا في رحيل أستاذنا وصديقنا وقدوة جيلنا الأستاذ الدكتور موفق دعبول رحمه الله, وأسكنه واسع جنانه. رحل الإنسان المعطاء الذي أمضى عمره في خدمة التعليم العالي العام والخاص, وخدمة طلابه, ووطنه, واختصاصه, وأهله,… واختصر ذلك أحدهم بقوله: بأنه أمة في رجل واحد. وبقي لنا ما لا يُعدّ: إرثه الأخلاقي, والقيمي, وسجاياه, وخصاله الحميدة, وغير ذلك كثير. حتى حياته كانت معالم طريق تنير درب أجيالنا القادمة نحو غد أفضل.

ما هي الرياضيات؟

د. محمود باكير

(هذا المقال مستل من كتاب “محطات في تاريخ الرياضيات” لصاحب المدونة أصدرته جامعة دمشق عن مديرية الأدب العلمي عام 2019)

      كثيراً ما يطرح بعضهم سؤال :” ما هي الرياضيات؟ “, دون أن يتوقعوا أن ثمة إجابات عديدة لهذا السؤال الحيوي. ولكن قبل مقاربة تعريف الرياضيات, والولوج إلى فضاء معناها, لا بد من الإشارة أولاً إلى أنها ليست ترفاً علمياً, أو زاداً فكرياً محضاً لا طائل منه, بل أضحت حاجة وضرورة لكل دارس, ومثقف, ومفكر, مهما كانت دراسته واهتماماته. وليس من باب المبالغة القول إن أي معرفة معاصرة تنقصها الثقافة الرياضية, هي فاقدة لأحد أبعادها الأساسية. ويكفي الإشارة إلى أنه حتى الفنون الجميلة, والتطبيقية, بما في ذلك النقد الفني بمفهومه الرصين ( تطبيقات الجشطلت gestalt وغيره ), أصبحت تلوذ بالرياضيات المعاصرة. وما دور الهندسة الكسورية Fractal Geometry في بعض مناحيها إلا تأكيداً على ذلك, على الرغم من ابتعاد, إن لم نقل غياب, بعض مؤسساتنا الأكاديمية العربية عن هذه الروح العلمية الحديثة التي ما فتئت تزاوج بين الرياضيات والحقول المعرفية الأخرى(1).

ماذا يجب ألاّ نكون..مقاربة فكرية

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في مجلة المعرفة-وزارة الثقافة السورية, العدد 663, كانون أول 2018)

عندما سأل الأب ابنه الشاب اللّماح الناضج عقلياً قبل أوانه بكثير: لماذا تختلط بجارنا التاجر الفاشل, وهناك فارق عمري كبير بينكما؟ فالشاب في أول العشرينيات من عمره, والآخر في آخر الأربعينيات, وهو لا يقدّم نموذجاً ناجحاً في هذه الحياة. فأجاب الشاب فوراً دون تردد, وباختصار: ” كي أعرف ماذا يجب ألاّ أكون “.

لماذا لا يستطيع الرجل فهم المرأة؟

د. محمود باكير

يقول الشاعر نزار قباني:

“قرأت كتاب الأنوثة حرفاً حرفا…ولازلت أجهل ماذا يدور برأس النساء”.

 وينطوي هذا القول على مغزى إنساني عميق, لأنه يعبّر عن أحد أهم حقائق الحياة, وهي عجز الرجل تماماً عن الوصول إلى فهم المرأة, مهما كابد, وبذل من جهد. فإذا كان نزار قباني, الذي كانت المرأة محور اهتماماته الشعرية, قد أعلن عجزه, صراحة, عن معرفة بماذا تفكر النساء, فكيف حال الرجال الآخرين الذين تكون المرأة إحدى مشاغلهم؟ وعلى الرغم من أن كل ما قدمه هذا القول, هو عجز صاحبه, ليس أكثر, بيد أنه يوقظنا على هذه المشكلة الكبيرة, ويضعنا أمام تحد عقلي من نوع خاص, علينا فهم أسبابه, ثم فك شيفرته, إن استطعنا هذا. فعملية فهم المرأة باعث كبير للرجل (إن كان زوجاً, أو أباً, أو ابناً, أو غير ذلك), وكثيراً ما تقض مضاجعه, لأن فهمها ليس بالأمر المتاح. وكثيراً ما يفضي هذا إلى أن عثورنا على زواج ناجح في هذه الحياة هو استثناء, وليس القاعدة, إن لم نقل إنه نوع من الصدفة.

دراسات لغوية من منظور رياضي

“إنّ المعرفة التي تحصلها طائفة من المتخصصين في حقل ضيق لا قيمة لها البتة إلاّ إذا أُدمجت في سائر حقول المعرفة”

الفيزيائي الألماني إيروين شرودنغرErwin Shroedinger

“رياضيات أي عصر مؤشر على ثقافته”.. أمثلة من تاريخ الرياضيات

د. محمود باكير

(هذا البحث مستل من كتاب أصدرته جامعة دمشق بعنوان ” محطات في تاريخ الرياضيات” عام 2019 عن مديرية الأدب العلمي لصاحب المدونة)

ثمة ” روح ” كامنة تسود  في كل عصر من العصور, وتعبّر عن نفسها وفقاً لطبيعة السياق. أي أنها تتلون وفقاً لماهية الحقل المعرفي الذي تظهر فيه. لهذا نرى أن الباحثين, في كل حقل معرفي, يعبّرون عنها على نحو مختلف, إن كان بأسلوب مباشر, أو غير مباشر. وهذه ” الروح “, كما تبدو, تعبّر عن النضوج الإنساني, والفكري, الذي وصل إليه الإنسان في حقبة زمنية ما, أو في بيئة معينة. أي أن جوهر المعرفة الإنسانية كثيراً ما يكون ذاته, ولكنه يتمظهر بأشكال مختلفة.

الفكر المنطقي عند جورج بول

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في مجلة المعرفة -وزارة الثقافة السورية, العدد 402, آذار/مارس 1997)

         المنطق في اللغة هو الكلام , وعند الفلاسفة ـ حسب تعريفات الجرجاني . ( آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في الفكر ) . وبعض الفلاسفة يعرفه على أنه فن التفكير, وكان يقول عنه السجستاني (نحو عقلي ) وهو ضرورة لكل العلوم , بل هو آلة العلوم , و المنطق مستقر في نفس كل ذي لب , كما يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه ” التقريب لحد المنطق ” . و قد أوصى الامام الغزالي في المستصفي بدراسته و يقول : (من لا دراية له بالمنطق لا يوثق بعلمه ) . و يقسم تاريخ المنطق عند البعض إلى ثلاث فترات : الفترة الكلاسيكية و التي استمرت حوالي ألفي عام , وقد سيطر عليها فكر أرسطو ( 384- 322ق . م ) واضع أصول المنطق الصوري . ثم الفـترة الرمزيـة و التي بدأت مع الريـاضي و المنطقي الإنكليزي جـورج بول (G. boole ) , و انتهت بالرياضي الألماني هيلبرت (D. Hilbert) (1862- 1943م ) ثم الفترة الحديثة   ( الفترة الرياضية )  و التي بدأت مع أعمال الرياضيين و المنطقيين الإنكليزيين برتراندسل ( 1872- 1970) ووايتهد ( A.N.Whitehead) ( 1861 – 1947 م) و المستمر و حتى الآن .

” نهائية العقل ولانهائية الحمق “… الحمق وتغوّله

د. محمود باكير

يقول ألبرت آنشتاين :” إن هناك  أمرين  غير منتهيين, هما  الكون, وحماقة الإنسان. وأنا غير متأكد من لانهائية الكون “. أي أن الشيء الوحيد الذي تأكد منه آنشتاين هو لانهائية حماقة الإنسان. ومن ثم فليس لهذه الحماقة حدود تنتهي عندها.أي أن الحماقة, في هذا الجانب, تشبه مجموعة الأعداد من حيث أن عددها غير منته. فلا يوجد عدد إلاّ و ثمة عدد آخر أكبر منه. كذلك لا يوجد حماقة إلاّ وهناك حماقة أخرى أكبر منها, ظهرت, أو ستظهر. أي أن توغل الأعداد تشترك صورياً ( شكلياً ) مع توغل الحماقات.

لماذا خلق الله الأعداد؟

د. محمود باكير

(نشر هذا المقال في المجلة العلمية العربية للفتيان, الألكسو-تونس, العدد31, 2019)

  يقول الرياضي الألماني ليوبولد كرونيكر Leopold Kronecker (1823-1891): “إن الله خلق الأعداد الصحيحة, وفيما عدا ذلك هو من صنع الإنسان”. أي أن الأعداد هبة إلهية, وهبها الله للإنسان كي يسوس حياته على الوجه الأفضل. والسؤال: ما هي الحكمة من ذلك؟ أي ما هو مبرر وجودها في حياتنا؟ فمن المؤكد أن أهمية العدد لحياة الإنسان ليست بأهمية الماء والهواء, مثلاً, ولكن مع ذلك فله أهمية من نوع آخر, وخاصة في حياتنا المعاصرة. من ذلك ما تنطوي عليه الأعداد من اقتصاد في الجهد, وترشيد للوقت. ويكفي الإشارة إلى أن الإنسان البدائي كان يعتمد المقايضة في حياته اليومية بدلاً من الأعداد. يقول الرياضي البريطاني المعاصر جون ماكليش John McLeish في كتابه “العدد “: إنه “حتى عام 1950, وفي بقاع نائية من العالم, كان هناك مجموعات من البشر لم يتجاوز فهمهم للعدد مرحلة: واحد..اثنان..كثير”. وهذا أقصى ما يستطيعون عدّه. ثم يضيف ماكليش: “وقد ذكر سير فرانسيس كالتون في أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر, أن أحد أفراد قبيلة “دامارا”Damara في أفريقية بادل قطيعه من الغنم بلفائف التبغ, بأن أخذ لفافتين مقابل الرأس الأول من غنمه, ثم لفافتين مقابل الرأس الثاني, ثم لفافتين مقابل الرأس الثالث, وهكذا. ولم يكن بالإمكان تسريع عملية المبادلة هذه دون وقوعه في فوضى مطبقة”, وذلك لعدم معرفتهم بعملية العد”.