د. محمود باكير
يكبر الوطن بالعظام من أبنائه البررة , فهم مصدر فخره وعزته . ومن هؤلاء من جمع العلم والأخلاق في هذه الحياة . وهذا ما تجسد في شخصية أستاذنا الراحل الدكتور صلاح أحمد رحمه الله . ففي هذه الأيام من كل عام , وبالتحديد في السابع من شهر تموز , تصادف ذكرى وفاته التي آلمت كل من عرف الراحل المغفور له الدكتور صلاح أحمد الذي كان عملاقاً من عمالقة جامعة دمشق , سليل أسرة كريمة عرفت بالعلم والأدب ورفعة الأخلاق على امتداد ساحة الوطن .
ففي ذلك اليوم من عام 1998 رحل أستاذنا الجليل دون موعد . فقد ودعناه بعيد منتصف شهر أيار من ذلك العام إلى باريس لإجراء بعض الفحوصات الطبية الضرورية التي كان يتطلبها مرض عضال ألمّ به ورافقه ماينوف على عقد من الزمان . ودعناه في ذلك اليوم على أمل العودة بعد شهرين من العلاج لنتابع مشروعاً علمياً بدأناه بإشرافه . ولم نكن نعرف أن قبلات الوداع تلك كانت الأخيرة .
إن ذكرى رحيل العظام محطات نفيء إليها لنستشف منها معاني تلك الشخصيات , ولنتدبر القيم والمثل التي كانت تميزها, وأمضت حياتها تدافع عنها سلوكاً ومنهجاً.
بل والأكثر من ذلك فإن مادرجنا على تسميته ذكرى قد لا تعبر عن واقع الحال الذي نحن بصدده , فذكراه ليست موسمية . لأن ذكرى أستاذنا الكبير راسخة في نفوسنا نحن طلابه السابقين في جامعة دمشق . كيف ننساه ونحن نعيش الرياضيات صباح مساء؟ … فإذا ذكرت الرياضيات في هذا القطر ذكر الدكتور صلاح أحمد والدكتور عبد الغني الطنطاوي , والدكتور موفق دعبول أمد الله في عمريهما . فقد كان الراحل شيخاً في الرياضيات على إختلاف مشاربها وتنوع فروعها , وعلى الرغم من وعورة مسالكها .
بل ولايكاد يمر نقاش بين الزملاء من أعضاء الهيئة التدريسية في قسم الرياضيات إلا ويذكر اسم الراحل بالثناء أو الفضل .
وعزاؤنا في بصماته الباقية , وفي كتبه ومؤلفاته, كيف لا وهو المعروف بولائه للوطن , وبموضوعيته في التعامل مع الآخرين طلاباً وزملاء عاصروه في جامعة دمشق عندما كان رئيساً لقسم الرياضيات فيها, وفي المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا عندما كان رئيساً لقسم الرياضيات فيه ونائباً للمدير …وأوضح مثال على ذلك أنه كان من أقرب الناس إليه أشخاص ربما كانوا من أبعد الناس عنه فكرياً, ولكن جمعهم حب العلم والإخلاص في العمل وحسن الخلق . وعزاؤنا في هذه الحياة أساتذتنا الكرام من أبناء جيله الذين لا يزالون بين ظهرانينا , وهم مبعث أمل لنا . منهم تعلمنا وما زلنا نكتسب الأخلاق وروح المثابرة وحب العمل الصالح .