صلاح أحمد .. رجل العلم والأخلاق

د. محمود باكير

( نشر في جريدة تشرين العدد 10225 / الاثنين : 7 / 7 / 2008 )

عقد من الزمن مر منذ رحيل أحد قاماتنا العلمية الكبيرة أستاذنا الجليل الدكتور صلاح أحمد – رحمه الله . ففي يوم الثلاثاء السابع من تموز سنة 1998 رحل هذا العلم الكبير في باريس أثناء تلقيه العلاج من مرض حد من حركته . ولم يستطع أن يحد من نشاطه العلمي , مع أنه ناهز السبعين من عمره . وعلى الرغم من مرضه العضال الذي دام حوالي اثني عشر عاماً استمر في عمله في مركز البحوث العلمية , وفي عطائه العلمي , وخاصة في الاشراف على رسائل الماجستير في قسم الرياضيات في جامعة دمشق , إذ أشرف على العديد منها , وأشرف على أول رسالة دكتوراه في الرياضيات . وقد غاب عنا جسدياً أو فيزيائياً , ولكن تواصله الروحي والعقلي لم ينقطع عنا , بل هو مستمر إلى يومنا هذا, وسيبقى كذلك . وليس من باب المبالغة – على المستوى الشخصي – القول إن صورته مطبوعة في ذهني, هذا إن لم تكن محفورة , ولم يستطع هذا العقد من الزمن أن يمحو ذلك الأثر الجميل لهذا العالم المهيب الذي وهب نفسه لخدمة العلم والوطن .

     إن الدكتور صلاح أحمد واحد من أساتذتنا الأجلاء الذين جمعوا العلم والأخلاق وهو أحد الذين يصعب أن نعد خصاله الحميدة . بل إن تعداد هذه الخصال يعد انتقاصاً من قيمته, لأنه يصعب حصرها. وهذا ليس مستغرباً عليه فهو سليل أسرة عريقة في العلم والأدب والدين. فوالده المرحوم العلامة الشيخ كامل صالح, وخاله الشاعر الكبير بدوي الجبل, ووالدته الشاعرة فتاة غسان , وأخوه الشاعر المحامي محمد كامل صالح. فقد ورث العلم والأخلاق والأدب عن هذه الأسرة الكريمة,  وقد تجلت النزعة الروحية في الجزء الأخير من حياته, وهذا ربما يدل على أنها كانت كامنة في نفسه .
    لقد كان – رحمه الله – يعمل دائماً على خدمة طلابه وأصدقائه وزملائه , فكان له الفضل البين على عدد كبير من طلابه وأنا في مقدمة هؤلاء الذين لا ينسون فضله عليهم.
   كان ديدنه العلم , والترفع عن كل الصغائر وكان موضوعياً في تعامله إلى حد بعيد. وكان رجلاً وديعاً, لطيف المعشر, جدياً في حياته , متابعاً للعلم ومحباً له حتى آخر حياته. والأكثر من ذلك أنه كان مشجعاً  دائماً لطلابه بمتابعة تحصيلهم العلمي, ومذللاً كل الصعاب التي كانت تواجههم وما أكثرها !! …        
       وعزاؤنا بعد رحيل أستاذنا الدكتور صلاح أحمد هو ما بقي بيننا من أساتذتنا الأجلاء , وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور موفق دعبول – متعه الله في عمره – الذي يعرفه القاصي والداني لنبله وسمو أخلاقه , ولعلمه الغزير. ومانكد علينا في هذا العقد رحيل أستاذنا الكبير الدكتور عبد الغني الطنطاوي – رحمه الله –بصمت وهدوء بعيداً عن الوطن . وللأسف لم نعرف ذلك إلا بعد فترة طويلة من الزمن وهذا ترك فينا ألماً كبيراً لأننا لم نقم بواجبنا تجاه هذا الرجل العظيم الذي يستحق كل الاحترام والتكريم من طلابه وزملائه , ومن كلية العلوم في جامعة دمشق بل ومن رئاسة الجامعة نفسها التي لا ينبغي لها أن تنسى فضل هؤلاء العظام أمثال الدكتور صلاح أحمد والدكتور الطنطاوي . بل عليها أن تجد الوسائل الملائمة لتخليد ذكر هؤلاء ليبقوا نبراساً للأجيال القادمة بما حملوه من اخلاق وعلم .
      وأخيراً لا يسعنا إلا أن نقول : إن لله وإنا إليه راجعون , وندعو الله أن يتغمد فقيدنا برحمته الواسعة .

1 thought on “صلاح أحمد .. رجل العلم والأخلاق

Comments are closed.