بعض “العوائق العقلية” للمشروع النهضوي العربي (الرياضيات وسيلة)

 

د. محمود باكير

أكاديمي سوري متخصص في الرياضيات

(نشرت هذه الدراسة في مجلة المستقبل العربي- بيروت, العدد 509 , تموز 2021)

 

“كل الأشياء توجد حالما تُدرك”

قول معروف

مقدمة

     إن من أبرز أساسيات نجاح المشروع النهضوي العربي هي دراسة “العقل العربي”, وأسباب قصوره الوظيفي لأنه محرّك كل شيء. فبدون العقل لا يمكن بناء مؤسسات علمية, ولا حكومة  دستورية, ولا دولة مؤسسات. لذلك يعدّ الفلاسفة: “الدولة تجسيداً للعقل”(1). ونعلم أن هناك دماغاً إنسانياً واحداً, بيد أن العقل أمر مختلف تماماً. لهذا نشير إلى أنه نتيجة لظروف معينة, فإن الإنسان (أو مجموعة بشرية) يمكن أن يطوّر “آلية” للتفكير خاصة به, ينفرد بها عن غيره, يمكن تسميتها اصطلاحاً “منظومة ذهنية”(2). وغالباً ما تطبع هذه “المنظومة” مخرجات تفكيره بطابعها, لذلك كثيراً ما تعمل على تشويه تفكيره, وتؤثر على “نقائه” الذهني, الذي يُعَدّ ضرورياً كي يُحسن الإنسان استخدام عقله على نحو صحيح. لأنه على الرغم من أن العقل, وفق رأي أغلب الفلاسفة, ملكة إنسانية مشتركة, وهبة إلهية لكل البشر, بيد أن توظيفه يختلف من فرد إلى آخر, أو من جماعة إلى أخرى. يقول رينيه ديكارت: “بأن القسمة الوحيدة العادلة بين البشر هي توزيع العقل بينهم”. أي أن المسألة تتعلق بمالك هذا العقل, وليس بواهبه(3).

     ومن المعروف أن أفضل تعبير عن النشاط العقلي هو الرياضيات لأنها علم عقلي بحت. لذلك تُعَدّ أفضل العلوم التي يمكن أن تتناول هذه المسألة, وخاصة بعد اعتماد فلاسفة العقل المعاصرين تعريف الرياضيات للرياضي والفيلسوف برتراند رسل Bertrand Russel (1872- 1970) تعريفاً للعقل. وينص تعريفه على أنها: “دراسة القضايا p التي تقتضي القضايا q”, أي:

 ” إذا كانت p فإن q If p, then q ) “). حيث أضحى مفهوم العقل في التصور العلمي المعاصر هو: ” “القدرة على القيام بإجراءات حسب مبادئ”, بل إنه أساساً, نشاط منظم, ولنقل “لعب حسب قواعد” “(4). وهذا المعنى للعقل أصبح تعريفاً له في معظم الحقول المعرفية المعاصرة المعنية بدراسته, ونخص منها فلسفة العقل.

    ويبرز هذا القصور الوظيفي “للعقل العربي” في أن واحدة من أكبر مشاكل مسارات تفكيره, التي تفضي إلى ما يشبه عجزاً معرفياً, هو افتقاد كثير من “النخبة” العربية للمنهج العلمي في التفكير. وقد يكون لهذا أسباب تاريخية لها علاقة بأثر العلم والسياسة في الثقافة العربية. لأنّ الدراسات الحديثة, وفق ما يذهب إليه محمد عابد الجابري (1936 -2010), تشير إلى أنّ اللحظات الحاسمة والأساسية في تطور الفكر العربي- الإسلامي, تاريخياً, لم يكن يحدّدها العلم، بل السياسة(5), ومع ذلك لم تدرس هذه المعضلة بشيء من التفصيل على الرغم من مركزية العلم والتفكير العلمي في المشروع النهضوي العربي. وهذا الربط الذي نسعى إلى نسجه بين العلوم وقضايا الاستنهاض بكل أبعادها ليس جديداً على المستوى العربي. فقد أشار أنطوان زحلان إلى أن شبلي الشميل (1853-1917): “على الأرجح أول عربي يستطلع قضايا تطويرية ضمن إطار مرتبط بالعلوم”, وذلك عندما نشر عام 1896 كتاباً مفتوحاً إلى السلطان العثماني عبد الحميد تحت عنوان “شكوى وأمل”, حلل فيه أسباب ضعف الامبراطورية العثمانية, وذكر ثلاثة عوامل أعاق غيابها التقدم في الامبراطورية وهي: العلم والعدالة والحرية(6).

     وقد استحوذت معوقات النهضة العربية على اهتمام عديد من المفكرين العرب, وشخصوا بعضها انطلاقاً من وجهات نظر مختلفة, سياسية, أو فلسفية, أو دينية, أو غير ذلك. والآن سندرس هذه المعوقات من منظور مختلف, حيث نتوسّل الرياضيات في ذلك من خلال دراسة “المعوقات العقلية” في تحصيلها ذاتها, وأثر ذلك سلباً على المشروع النهضوي العربي. لأن الرياضيات أفضل وسيلة يمكنها الاضطلاع بهذه المهمة. فضلاً عن أن تحصيلها, في وقتنا المعاصر, يُعد أساس التقدم العلمي, ومعوقاته تؤخر هذا التقدم, لأن قوامه في معظمه رياضيات(7). وبمعنى آخر فإن رافعة هذا التقدم هي “عقلية” تغذت على الرياضيات وفكرها, إن كانت علوم تطبيقية أو إنسانية أو اجتماعية. لذلك لا بد من دراسة أسباب سوء التغذية العقلية المزمنة في الشخصية العربية, والتي لا تنفع  معها “المكملات الغذائية” الزائفة في معظمها. بل لا بد من إعادة النظر في تشكيل هذه العقلية, ودور الرياضيات في ذلك حيوي وأساسي. لأن حصيلة الرياضيات العقلية, إن أُحْسِن تدريسها, أكثر من أن تحصى. لذلك بدأت كثير من الجامعات المتميزة في العالم تركز في مناهجها على الرياضيات. إضافة إلى استخدامها في بناء شخصية خريجيها من خلال تزويدهم بمهارات عقلية خاصة, مثل: القدرة على المحاكمة العقلية السليمة, واكتساب القدرة على التفكير المنطقي, والتحليلي, والاستدلال الكمي, والتفكير النقدي. فضلاً عن حل المشاكل, والعمليات الصورية (التجريدية), والقدرة على الإبداع. وهذه المهارات التي أضحت ضرورية لخريجي الجامعات, يصعب تحقيقها بعيداً عن الرياضيات؛ لأنها الرافعة الذهنية التي يمكن من خلالها الوصول إلى معظم تلك الأهداف.

     لذلك يعد التفكير الرياضي, من عماد التفكير العلمي. وهو البيئة الخصبة لتنمية التفكير النقدي, والقضاء على الركود العقلي الذي يعانيه بعضنا. لأن التفكير النقدي يتطلب ضوابط موضوعية نجد جذورها في ماهية التفكير الرياضي. كما أصبح هذا التفكير أحد أركان العملية التربوية المعاصرة, ومحركها الأساسي. لذلك يعد سمة أساسية من سمات خريج الجامعة في العالم الغربي. لأن هذه الميّزة تضطلع بدور كبير في تطور المجتمعات, وفي تقدم الفرد نفسه على المستوى العلمي والمهني والشخصي.

     والمشكلة, عموماً, في المجتمعات العربية, قد لا تكون بالضرورة شح معلومات لدى أفراده في ظل هذا الطوفان الهائل من المعلومات, بل هي تعبير عن ضعف القدرة عند شريحة كبيرة منه على المحاكمة العقلية. فضلاً عن الحاجة الماسة إلى “منهج للتفكير” يساعد في تحويل المعارف إلى واقع ملموس. وخاصة أنه لم يعد في عصرنا أي قيمة للمعلومات التي يحفظها الإنسان, مع وجود الحاسوب (الكومبيوتر) الذي يمكنه تخزين ما تشاء من بيانات. بل أضحى المهم هو قدرة المتعلم على المحاكمة العقلية من خلال امتلاكه منهجاً للتفكير يساعده على استثمار معارفه. مع أن تركيز المؤسسات التربوية العربية يتجه أساساً نحو تلقين المعلومة وحفظها, ثم استرجاعها عند الضرورة, وليس على طريقة  استخدامها للاستفادة منها, وهو الأكثر أهمية. وهذا يتطلب منهجاً للتفكير كي تترجم المعرفة إلى سلوك. لذلك شرعت المؤسسات التربوية الأوربية تطرح حديثاً ما يسمى “التعلم القائم على الكفاءة” Competency based education , وهو مفهوم جديد يكون التركيز فيه على “المخرجات” Outcomes وليس على “السيرورة التعلميّة” learning processes.

    وعدم انتباه معظمنا لدور الرياضيات العقلي قد يكون مبرراً لأن كثيراً من الناس ينظر إليها على أنها علم يُعنى بالأعداد, والمعادلات, والأشكال الهندسية, وليس لها أي مغزى أو صدى عقلي. لذلك ليس لها علاقة بمناهج التفكير, وتنحصر فائدتها العملية في تقدم العلوم الأخرى. وهذا ناتج من الخلط بين التفكير الرياضي, والتفكير العددي. فالثاني جزء من الأول, والعكس غير صحيح. والتفكير العددي هو “الحالة الجنينية” التي تطورت عبر القرون, إلى ما وصل إليه اليوم التفكير الرياضي, الذي أصبح يشمل عديداً من الجوانب. أي أن كون الرياضيات “مهارة عقلية” ( وفق تسمية وكالة ضمان جودة التعليم العالي البريطانية The Quality Assurance Agency for Higher Education  ) لم يزل غير واضح عند شريحة واسعة من الناس, بما فيهم دارسيها. ويتأتىّ هذا الموقف من طبيعة الرياضيات المجرّدة التي قد لا توحي بذلك.

       لذلك تعد الرياضيات -برأي كثيرين– مفتاح نهوض التعليم العالي(8), علماً أن حال الجامعات العربية والبحث العلمي في الرياضيات, ومدى الاستفادة منه, لم يزل بعيداً عن هذه الروح التي تعم الجامعات الرصينة في العالم, مع أن كلفة بنيته التحتية زهيدة ولا تقارن بغيره من الاختصاصات الأخرى, كون متطلباته عقلية أكثر منه مادية. وهذا يستدعي التذكير بأن تصنيف الدول العربية في تدريس الرياضيات, وفق PISA (Programme for International Student Assessment  ), وهو المعيار الدولي لقياس جودة الأنظمة التعليمية في العالم, يضع الدول العربية في ذيل التصنيف. علماً أن الدول الناهضة حديثاً تأتي في المقدمة: سنغافورة ثم هونغ كونغ يليها مكاو(9). وإذا نظرنا إلى قائمة الدول الحاصلة على ميدالية فيلدز Fields Meadal (نظير جائزة نوبل في الرياضيات) التي تُمنح لأحسن رياضيي العالم كل أربع سنوات لا نجد فيها عربي باستثناء الرياضي البريطاني مايكل عطية Michael Atiyah (1929-2019) الذي هاجر والده اللبناني إلى بريطانيا وهو في مقتبل عمره وتزوج من بريطانية أنجبت مايكل. في حين أن إيران تقع في المرتبة السابعة (ايرانيان اثنان حصلا على الجائزة)(10). أي أن ثمة خللاً بنيوياً في دراسة الرياضيات وتدريسها في معظم البلدان العربية, وهذا يفضي إلى ضعف البحث العلمي فيها. ومن المرجح أن يعزى ذلك إلى بعض “المعوقات العقلية” التي تخص البيئة التربوية العربية. وهذا ربما نابع, في جزء منه, مما تستبطنه الرياضيات من طبيعة مفارقة لماهية معظم العلوم الأخرى. وسنحاول في هذه الدراسة تشخيص بعض أسباب ذلك, وهي ليست بعيدة عن مشروع “نقد العقل العربي” الذي درسه بعض المفكرين العرب, وفي مقدمتهم محمد عابد الجابري(11). إضافة إلى البحث عن ملامح أخرى لهذا العقل ولكن من منظور مختلف. وقد تكون هذه الدراسة مكملة لمشروع الجابري وليست بديلاً عنه. وهذا يستلزم البدء بدراسة “البيئة العقلية” في الحالة العربية, وأثرها على تحصيل الرياضيات. وهذه ضرورة تفرضها طبيعة الرياضيات العقلية الخاصة. فضلاً عن ذلك لا بد من التوقف عند بعض الجوانب الثقافية المرتبطة بهذه البيئة ولها علاقة في البحث العلمي في الرياضيات. وهذا تعبير عن منطوق ما يشير إليه بعض الرياضيين: “بأن رياضيات أي عصر مؤشر على ثقافته”. أي أن ثمة علاقة بين نشاط بعض فروع الرياضيات, وبين المؤثرات المعرفية الأخرى المختلفة (ثقافية, أو اجتماعية, أو سياسية, ..) السائدة في الحقبة الزمنية المعنية. أي أن الرياضيات “منتج ثقافي”, بالمعنى الواسع لكلمة “ثقافة”.

     وعلى الرغم من أن ماهية الوجود الرياضي ذهنية, لأن الرياضيات مفاهيم مجردة, بيد أنه لا بد من وجود دوافع إنسانية أو اجتماعية خاصة للاهتمام بها. ولماذا نشأت بعض المفاهيم في بيئة معينة ولم تنشأ في بيئة أخرى؟ وهذا يشير, عموماً, إلى أن ولادة المفاهيم الرياضية لم تكن مجرد طفرة عقلية, أو ترفاً فكرياً لا طائل منه. بل لا بد من وجود عوامل معينة تدفعها إلى البلورة, ثم الخروج إلى حيز الواقع. وقد يكون بعض تلك الأسباب معروفة, وبعضها الآخر ليس كذلك, كونها تمتد إلى أعماق النفس الإنسانية, أو حتى إلى “روح” المجتمع الذي ظهرت فيه هذه المفاهيم. 

      والأكثر من هذا فمن الملاحظ أنه حتى قبول بعض المبادئ الرياضية قديماً كان يخضع, عند بعض الشعوب, لاعتبارات ليست علمية. فكانت الأفضلية عندهم للاعتبارات الاجتماعية, وليست العقلية, كما في حالة الحضارة الصينية القديمة, وموقفها من أحد قوانين الفكر, وهو “قانون عدم التناقض”. وللتوضيح نشير إلى أنه كان يُعتقد بأن موقف المتلقي من الرياضيات, أو من قوانين الفكر الثلاثة المعروفة(12)هو ذاته عند كل الشعوب. بمعنى أن الجميع يفكرون, ويستنتجون, ويستقرئون, وفق طرائق منطقية واحدة, وأن “ذائقتهم المنطقية” ذاتها. وهذا ما أثبت علم نفس الثقافة بطلانه(13). حيث تبين أن الممارسات الاجتماعية يمكن أن تؤثّر في طرق التفكير. يقول ريتشارد نيسبت: “وليس لنا أن نتوقع ممن ينبني وجودهم الاجتماعي على التناغم أن يطوروا تراثاً للمواجهة أو الجدل”(14). لأنه عندما تسود في أي مجتمع فكرة اندماج أفراد المجتمع ليكوّنوا نسيجاً واحداً متناغماً فإن “الحلول الوسط” بين الآراء المتصارعة والمتناقضة يكون لها دوماً الأولية, بل وهي الملاذ الذي يلجأ إليه جميع أفراد ذلك المجتمع منعاً للتصادم والاختلاف. ومثال ذلك المجتمع الصيني, حيث: “أن 95 في المائة من الصينيين هم من جماعة عرقية واحدة معروفة باسم “الهان”…وهكذا عاش الصينيون لا يشهدون إلاّ اختلافاً ضئيلاً في الرأي, ويرون الشقاق مظنة عقاب يحل من أعلى أو يأتي على أيدي رفاق الحياة…ومن هنا دافعهم لاكتشاف الطريق الوسطى”(15). أي نتيجة لطبيعة المجتمع الصيني من حيث التركيب العرقي, وهامش الحرية المحدود الذي كان متاحاً لأفراده قديماً, أفضى ذلك إلى عدم حاجتهم إلى قواعد, وقوانين إدارة الجدل, بما في ذلك “مبدأ عدم التناقض”. ويضيف نيسبت: “وعلى الرغم مما حققه الصينيون من تقدم كبير وموضوعي في مجالي الجبر والحساب لكنهم حققوا إنجازاً ضعيفاً في الهندسة بسبب أن البراهين تعتمد على المنطق الصوري, خاصة فكرة عدم التناقض”(16).

      وإذا توقفنا قليلاً عند الحضارة الإغريقية, التي تميزت بالحرية الشخصية, وموقعهم الجغرافي على طرق التجارة في العالم القديم, واختلاطهم الكبير مع الغرباء, فرض عليهم التعامل مع المتناقضات. فقد: “اعتادوا دائماً مواجهة مواقف حيث يرون شخصاً يؤكد أن ”  أ ” هي الحجة بينما ينزع آخر إلى القول إنه “ليس أ” هي الحجة. وهكذا عايشوا تناقضاً وافداً بين آراء الغرباء. وتناقضاً محلياً يعبّر عنه المواطنون من خلال آرائهم داخل الجمعية العامة وفي الساحات العامة. وطبيعي أن يؤدي هذا بالضرورة إلى تطور إجراءات معرفية من بينها المنطق الصوري للتعامل مع مظاهر وأسباب التنافر”(17). وباختصار فإن هذه القوانين عبارة عن عادة ثقافية.

    ويقول الرياضي البريطاني جون ماكليش John McLeish وهو يتحدث عن المعرفة الرياضية من أنها: “ليست شيئاً مستقلاً وقائماً بذاته, بل هي جزء من مجموع التفاعلات البشرية”(18). وهذا يشير مرة أخرى إلى أن المعرفة الرياضية ليست معزولة عن نسيج محيطها, بل لا بد من وجود محرضات “ثقافية” معينة لولادتها. ويضيف ماكليش وهو يتحدث عن “الأنظمة العددية”: “سوف يفصّل هذا الكتاب بعض تلك الأنظمة مبيناً العلاقة بينها وبين الثقافة التي ترعرعت فيها”(19). ثم يتابع: “ففيما كان العرب يتبوأون مركز الصدارة في النهضة العلمية بين القرنين السابع والخامس عشر, كانت أوربا متخلفة جداً في علم الرياضيات, والسبب في ذلك هو التراث المشؤوم الذي خلفه اليونانيون. فبتعاملهم مع الأعداد وكأنها كائنات شبه مقدسة تكمن في أساس عملية الخَلق نفسها, فإنهم أبعدوها عن المعاملات والتحليلات اليومية, وأحاطوها بهالة من الدين والفلسفة”(20). وما يشي به هذا القول هو أن موقف الأوربيين, من الأعداد, في تلك الفترة, كان تحت تأثير عوامل ثقافية بعيدة عن الدوافع الرياضية, ولها علاقة بالفيثاغورية, وموقفها من الأعداد. لذلك كان تراث فيثاغورث (توفي 503 ق.م) عقبة كأداء في تطور الرياضيات في أوربا. فمن المعروف أنه كان صاحب مدرسة في الفلسفة تعتقد بأن الأعداد تتضمن حقيقة طبيعة الأشياء, وتعزى إليها بعض الصفات الباطنية(21).

    وإذا سلّمنا بما يقوله برتراند رسل(22) من أن العنصر الصوفي الذي كان مسيطراً في الشرق قديماً بلا منازع, أعاق تطور الملاحظات العملية إلى نظريات في الرياضيات, وفي هذا اختلف الشرق القديم عن الإغريق؛ إضافة إلى ما يقوله: “ولكن ما أنقذ اليونانيين من الوقوع في براثن هذا العنصر (يقصد العنصر الصوفي) وحده, هو ظهور المدارس العلمية في أيونيه”(23). ثم يضيف: “إن الحضارة اليونانية حضارة متأخرة بالقياس إلى حضارات العالم الأخرى, إذ سبقتها حضارتا مصر وبلاد ما بين النهرين بعدة ألوف من السنين…ولقد توصلت مصر القديمة وبابل إلى بعض المعارف التي اقتبسها الإغريق فيما بعد, ولكن لم تتمكن أي منهما من الوصول إلى علم أو فلسفة”(24). لأنه من المعروف أن المصريين القدماء ألموا بكثير من خصائص الأشكال الهندسية, بسبب معاناتهم من فيضان النيل سنوياً. ويقول هيرودوت Herodotus (485- 425 ق.م): “ويبدو لي أن هذا هو السبب في أن مصر سبقت غيرها إلى معرفة الهندسة, وعنها أخذها الإغريق”(25). بيد أن هذه الخبرة العملية لم تتطور إلى علم نظري. لذلك لم ينتبهوا إلى أهمية “البرهان الرياضي”. ويقول أحمد سليم سعيدان: “ويظهر أن عدتهم (يعني المصريين) الأساسية كانت حبالاً, كأشرطة المساحة, يشدونها”(26). ويشير رسل إلى بعض الأسباب التي حالت دون نضوج تلك الخبرة إلى علم, ومنها: “أن وظيفة الدين لم تكن تساعد على ممارسة المغامرة العقلية”(27). ويبرر ذلك بقوله: “ففي مصر كان الدين معنياً إلى حد بعيد بالحياة بعد الموت. فالأهرامات كانت صروحاً جنائزية”(28). ثم يتابع قوله عن الناحية الدينية في بلاد ما بين النهرين قديماً: “كان الاهتمام الرئيسي منصباً على السعادة في هذا العالم, وكان تسجيل حركات النجوم وما صاحبه من ممارسات للسحر والتنجيم موجهاً من أجل هذه الغاية”(29). لأنه, على الرغم من أن جذور الرياضيات مستمدة من الواقع, بيد أن تحوّل الخبرة العملية إلى نظريات رياضية تتطلب وثبة عقلية من نوع خاص قوامها التجريد. وهذا لا يتحقق عند أولئك الواقعين تحت سيطرة “منظومة ذهنية” خاصة بهم. أي أن ثمة نوعاً من “المنظومات الذهنية”, كانت تعيق ولادة التفكير العلمي الصرف في هذه المنطقة قديماً.

     وعموماً, فإن رياضيات أي مرحلة تاريخية كثيراً ما تكون مؤشراً على اهتمامات الناس المعرفية في مجالات ليس لها علاقة مباشرة بالرياضيات. لذلك فإن دراسة معوقات البحث العلمي في الرياضيات تستدعي استحضار فلسفة الرياضيات, وعلم اللسانيات, وعلم النفس, وعلم الاجتماع, والتاريخ, وسوسيولوجيا الرياضيات, وغير ذلك, لما لها من تأثير على البيئة الذهنية للبحث العلمي.

الرياضيات “منتج ثقافي”

  1. البرهان الهندسي والخطاب

     ومن الأمثلة التي توضح علاقة الرياضيات بالشأن الثقافي, ما أورده مؤرخ العلم آلان كرومر Alan Cromer (1935– 2005) عن دور المنطق, والجدل, وإدارته, وقوانينه, عند الإغريق, والانتقال من المنطق إلى العلم, حيث يقول: “العلم من هذه الزاوية امتداد للخطابة. اخترعته اليونان القديمة دون سواها, لأن المؤسسة الإغريقية الممثلة في الجمعية العامة أولت مهارة الجدل مكانة عظمى…البرهان الهندسي هو…أقصى صورة خطابية”(30). ونلاحظ كيف ربط كرومر الخطاب الرسمي, في المحافل اليونانية, بالبرهان الهندسي, وأنه يعد أقصى صورة خطابية. وهذا نابع من أن الخطاب المنطقي, والرصين, هو وجه آخر للبرهان الهندسي, لما يتسم به كل منهما بالترابط المنطقي, والاتساق, والوصول إلى نتائج مقنعة انطلاقاً من جملة من المقدمات. 

     وما يؤكد على تلك العلاقة, عند الإغريق, هو ما ورد في الدراسات المعمّقة الحديثة حول “الشفاهية” Orality و”الكتابية” Literacy , والفرق بينهما(31). يقول والترج. أونج: “كانت دراسة الخطابة السائدة في كل الثقافات الغربية حتى ذلك الوقت قد بدأت بوصفها أساس التعليم والثقافة اليونانية القديمة. ففي اليونان القديمة, كانت دراسة “الفلسفة”, كما مثلها سقراط, وأفلاطون, وأرسطو, برغم نتائجها الغنية فيما بعد عنصراً ثانوياً نسبياً في الثقافة اليونانية ككل, لا ينافس الخطابة مطلقاً سواء في عدد ممارسيها أو في آثارها الاجتماعية الفورية”(32). ويضيف: “إن الهدف من أنواع الخطاب كلها, هو البرهنة, بصورة أو بأخرى, على مسألة من المسائل أو تفنيدها ضد خصم ما”(33). أي أن ديدن هؤلاء كان “البرهنة” بصورة أو بأخرى؛ ومن هنا انبثقت “فكرة” أهمية وجود “البرهان”, ومدى الحاجة إليه. وهذا ما دفع الإغريق بتطوير “البرهان الهندسي”, لأن البيئة الفكرية للهندسة هي الوسط الصالح لاستزراع ذلك. لهذا ظهر صدى أهمية “البرهنة” تلك في علم الهندسة. وطبعاً هذا لم يحل دون ظهور “البرهان” في العلوم الأخرى, كالبرهان التاريخي, والفلسفي,…ولكن يبقى البرهان الرياضي سيد البراهين دون استثناء, لما يتمتع به من نضوج فكري قلّ نظيره, وحجة مقنعة, ومنطق سليم ضمن سياق صوري.

     أي أن روح “البرهان الرياضي” تدين بولادتها للخطابات في المحافل الإغريقية القديمة. ومن ثم فإن الطبيعة الثقافية القديمة للإغريق المتمثلة في الجدل, والمناقشات العامة الرصينة, أوحت بفكرته. وما يؤكد على أهمية الجدل عندهم ما أشار إليه هوميروس من: “أن الإنسان إنما تحدده قدرته على الجدل بالقدر نفسه الذي تحدده فيه براعته القتالية كمحارب”(34).

     في حين أن العرب اشتهروا بالشعر فكان من أقدم الآداب التي عرفوها, وكان له مكانة مرموقة يرفع من مكانة القبيلة. لهذا كان يطلق النقاد عبارة “الشعر ديوان العرب”. وكانت منزلة الشعراء في الجاهلية تتقدم كثيراً على الخطباء. فقد ذكر الجاحظ عن أبى عمرو بن العلاء: “كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيّد عليهم مآثرهم، ويفخّم شأنهم، ويهوّل على عدوهم ومَن غزاهم، ويهيّب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعرُ غيرهم فيراقب شاعرهم…”(35). والطبيعة الوجدانية للشعر ليس لها أي علاقة بالتفكير الرياضي.

2-جبر الخوارزمي

     ومن الأمثلة الهامة على علاقة الرياضيات بالثقافة السائدة هو ولادة علم الجبر في مطلع القرن التاسع الميلادي على يد الخوارزمي. فمن المعروف أن “علم المواريث”, أو “علم الفرائض” بدئ بتأسيسه في بداية تأسيس المدارس الفقهية، حيث كان هناك اجتهادات سابقة لذلك من قبل بعض الصحابة. ولا يوجد أي دراسات حالياً تشير إلى الطريقة الرياضية التي كان يوزع بها الفقهاء هذه التركات. ولكن مع بداية القرن التاسع الميلادي تغير الوضع عندما قام محمد بن موسى الخوارزمي (الذي عاش بين العقود الأخيرة من القرن الثامن ومنتصف القرن التاسع للميلاد) بتأليف كتابه “الجبر والمقابلة”, الذي نشره حوالي سنة 820 ميلادي. ووفق ما يشير إليه الباحث المعروف في تاريخ العلوم عند العرب رشدي راشد فإن ماقام به الخوارزمي: “كان عملاً تأسيسياً لمادة علمية استمرت تتطور من بعده, عُرِفت تحت عنوان “حساب الفرائض”؛ فقد حوّل الخوارزمي في الكتاب الثاني هذا, وبفضل الجبر, ما لم يكن سوى حسابات فقهية, إلى مادة في الرياضيات التطبيقية تحمل اسماً ما زالت تحتفظ به حتى عصرنا”(36). ويقصد راشد بهذه المادة ما أصبح يسمى “الجبر”. أي أن هذا العلم الرياضي الجديد ولد استجابة للتحديات العلمية التي كان يقدمها “علم المواريث”؛ فضلاً عن أسباب علمية أخرى ساعدت على ذلك ليس هذا المجال لشرحها(37). ومن أهم ما يورده راشد من أسباب حول ذلك قوله: “كان مجال الحقوق من بين أشد مجالات البحث نشاطاً في القرن الثامن. فالمجتمع الجديد والدولة الجديدة, اللذان يرتكزان على أساس تعاليم القرآن والحديث النبوي, تطلبا بالضرورة تصوراً للحقوق وللقواعد الشرعية, يختلف عن القواعد الحقوقية الموروثة عن بيزنطة وعن بلاد فارس…فلقد شهد القرن الثامن ولادة ثلاث من المدارس الفقهية الأربع التقليدية, التي تسيطر على الشرع الإسلامي حتى عصرنا الراهن”(38). وهذا يؤكد على: “أن رياضيات أي عصر مؤشر على ثقافته”؛ لأن ما قام به الخوارزمي من عمل تأسيسي “لعلم الفرائض” هو الترجمة الرياضية عن مجال الحقوق الذي كان في عصره في بؤرة اهتمام فقهاء الشرع الإسلامي. وغني عن البيان أهمية هؤلاء الفقهاء في تلك المرحلة التاريخية. حتى أن دورهم تجاوز دائرة التشريع والفقه, ليصبحوا المحرك الأساسي الذي صاغ العقل العربي, إذا سلمنا بما يقوله الجابري(39).

     وما يؤكد على العلاقة العضوية بين الجبر وعلم المواريث هو أن خلفية الخوارزمي العلمية كانت متينة الصلة بالعلوم الفقهية. وهذا ما يشير إليه راشد عن الخوارزمي(40).

3-نظرية المبارزة

     ومن الأمثلة الأخرى على ربط المعطيات الثقافية بالأبحاث الرياضية, هو الاهتمام الشديد في “نظرية المبارزة” (الصراع) Game Theory في النصف الثاني من القرن العشرين. وتُعَرّف هذه النظرية على أنها: “طريقة لدراسة صناعة القرار في حالات الصراع”. وكان التركيز فيها على دراسة “نقطة التوازن” Equilibrium في الصراعات وعلاقتها مع الحرب الباردة التي كانت سائدة بين المعسكرين الشرقي والغربي بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك نشطت أبحاث النقطة الثابتةFixed Point  في التبولوجيا Topology والتحليل التابعي (الدالي) Functional Analysis, كون “نقطة التوازن” تلك أحد أشكال النقطة الثابتة.

     ولدراسة بعض المجتمعات التي لم تقدم شيئاً ذا قيمة للرياضيات, فقد شرعتالدراسات الحديثة بالاهتمام فيما يسمى “الرياضيات الإثنية” ethnomathematics. وبؤرة اهتمامها دراسة الطريقة التي يمثل فيها اللغز الشعبي الفكر الرياضي البسيط في ذلك المجتمع. أي كيف تفكر بعض المجتمعات العرقية (خاصة تلك التي لم تنتج معرفة رياضية) بالأفكار الرياضية بلغة غير رياضية, من خلال ألغازها. لأنه بدأ يتضح أن هذا يساعد على فهم الخلفيات الثقافية للشعوب. وهذا يؤكد أيضاً على علاقة الرياضيات بالثقافة السائدة في مجتمع معين, ومن ثم علاقة ذلك مع البحث العلمي في الرياضيات. يقول خالد مصطفى مرعب عن الألغاز: “وهي في بعض جوانبها تعبير عن الذهنية الشعبية ومستويات رقيها وتعقيدها وذكائها”(41)

“المعوقات العقلية” للبحث العلمي الرياضي في البيئة العربية

     ولدراسة فاعلية البحث العلمي في الرياضيات في العالم العربي لا بد من استعراض بعض “المعوقات العقلية” التي تحول دون ذلك, أو على الأقل يمكن أن تؤخره نسبياً. ودور هذه “المعوقات” نابع من طبيعة الرياضيات الصورية, وعلاقة ذلك مع  قدرة الدارس على التجريد. لذلك فإن لهذه المعوقات شجونها الخاصة التي تنفرد بها عن غيرها من العلوم الأخرى. وخاصة من المعروف أن ثمة عديداً من العوامل تؤثّر في التحصيل المعرفي عند الإنسان, وبعاداته الإدراكية, وبرؤيته للعالم(42). منها: “الأنظمة المعرفية” التي صاغها محمد عابد الجابري, و”البنية الألسنية”, وفرضية “الحتمية اللغويةLinguistic Determinism , ومسألة “العقلية الشفاهية”, و”العقلية الكتابية”, وغيرها. وكلها عوامل عقلية ترتبط, على نحو مباشر أو غير  مباشر, بالبحث العلمي في الرياضيات. علماً أن الوعي بوجودها يمكن أن يخفّف من تأثيرها السلبي.

    وأولى تلك المعوقات, المتجسدة في أكبر مشاكل التفكير في “العقل العربي”, التي تفضي إلى ما يشبه عجزاً معرفياً, هو افتقاد كثير من “النخبة” العربية للمنهج العلمي في التفكير, كما أشرنا سابقاً. لأنّ دراسات الجابري, تشير إلى أنّ اللحظات الحاسمة والأساسية في تطور الفكر العربي- الإسلامي, تاريخياً, لم يكن يحدّدها العلم، بل السياسة. أي من خلال “تسييسن العلم بدلاً من علمنة السياسة”. ولتوضيح ما نعنيه بذلك لا بد من معرفة أثر العلم والسياسة في الثقافة العربية. يشير الجابري إلى أنّ الصراع في الثقافة العربية لم يكن بين “الميتوس” و “اللوغوس” (بين الأسطورة من جهة والعلم والفلسفة من جهة أخرى), كما كان الشأن في الثقافة اليونانية. ولا كان بين العلم والكنيسة كما كان عليه الأمر في التجربة الأوربية الحديثة، بل كان الصراع في الفكر العربي بين نظامين معرفيين يؤسس كل منهما إيديولوجيا معينة: “النظام البياني”، و”النظام العرفاني”. وعندما دخل “النظام البرهاني” طرفاً ثالثاً دخل ليقوم بوظيفة في ذلك الصراع، وأصبح منذ اللحظة الأولى موجهاً بذلك الصراع محكوماً به(43). أما العلم فقد بقي على هامش المنظومات الفكرية والإيديولوجية المتصارعة، وبذلك لم تتح له الفرصة ليساهم في تكوين العقل العربي كلاً.

     وتحدث الجابري(44) عن تشكيل “أنظمة معرفية” ثلاثة متمايزة. وهي النظام “البياني”, و”العرفاني”, و”البرهاني”. وكل منها يتميز بمنهجه الخاص في التفكير, وفي اكتساب المعرفة, وبتقرير رؤية خاصة به للعالم, وأيضاً موقف منه. ولكل نظام إطاره الخاص الذي تشكل به. ويذكر أن “النظام العرفاني” يَعُد ّ”الكشف” الطريق الوحيد للمعرفة, وهو يهدف إلى الدخول في نوع ما من الوحدة مع الله. في حين أن “النظام البرهاني” يعتمد قوى الإنسان المعرفية الطبيعية, من حس, وتجربة, ومحاكمة عقلية, وحدها دون غيرها للتحصيل المعرفي(45). أي أن علوم البرهان، من منطق, ورياضيات, وطبيعيات (بفروعها المختلفة), وإلهيات، ويؤسسها نظام معرفي واحد يقوم على الملاحظة التجريبية والاستنتاج العقلي منهجاً. وأما “النظام البياني” فقد صاغه علماء البيان من لغويين, ونحاة, وبلاغيين, وعلماء أصول الفقه, وعلماء الكلام. وهؤلاء صاغوا “نظريات” في البيان, أو فقهية, أو نحوية, أو بلاغية, أو كلامية(46). وعلوم البيان تؤسس نظام معرفي يعتمد قياس الغائب على الشاهد، منهاجاً في إنتاج المعرفة. ويشير إلى أنّ العقل العربي عقل بياني، تكوَّن من خلال تشييده لعلوم البيان التي أبدع فيها إبداعاً كبيراً، وأنّ هذه العلوم قد بلغت قمتها مع بداية تاريخها، وأنّ العقل العربي لم يضف، وما كان ليستطيع أن يضيف جديداً إلى ما أبدعه فيها خلال عصر التدوين. أي أنّه بقي سجيناً لإنتاج هذا العصر(47). ويعني الجابري بالعقل العربي: العقل الذي تشكل داخل الثقافة العربية، في الوقت الذي هو نفسه عمل على إنتاجها(48). وخاصة أن ثمة علاقة ما بين الجانب اللساني والتفكير الرياضي. وما يؤكد على ذلك هو أنّ اللغة تؤدي وظيفة في نمو التفكير الرياضي، أو في طبيعته. فإما أن تنشّط جانباً معيناً في هذا التفكير، أو أن تقوم بخلاف ذلك. فإذا سلّمنا بما تقوله الدراسات اللسانية بأنّ اللغات السامية تميل إلى “التأليف المتجبرن”، فإنّ هذا قد يساعدنا في فهم لماذا طلابنا، عموماً، في المدارس العربية يجدون الجبر أسهل كثيراً من الهندسة، لكون اللغة العربية إحدى اللغات السامية. يقول رشدي راشد: “وفي دراسة حديثة حول الارتداد الدلالي للمفهوم يعرض كيف أنّ اللغات السامية تميل إلى التأليف المختصر والمجرد “المتجبرن” على نقيض الميل “الآري المُهندس”. وبحسب هؤلاء المؤلفين فإنّ البنية الألسنية هي المسؤولة عن تطور “علم البناءات الجبرية”(49). فاللغة لها تأثيرها الخاص في تطور طبيعة الفكر الرياضي, ومن ثم في اكتساب مهارات البحث العلمي. فهي إما أن تنشّط جانباً, أو أن تضعف جانباً آخر, وذلك وفقاً لبنيتها اللسانية.

    وبعد كل ذلك بقي العقل العربي في منأى عن تأثير العلم العربي: “فقد ظل العلم العربي، علم الخوارزمي والبيروني وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم، خارج مسرح الحركة في الثقافة العربية فلم يشارك في تغذية العقل العربي ولا في تجديد قوالبه وفحص قبلياته ومسبقاته”(50). لذلك “لم تجد آراء ابن الهيثم ولا منهجيته العلمية “قابلةً” في الثقافة العربية, فلم يتردد لها صدى ولا كان لها أي أثر في تكوين العقل العربي، ولذلك فهي لا تجد نفسها، أعني أننا لا نجد لها معنى وتاريخاً إلاّ داخل ثقافة أخرى هي الثقافة الأوربية بالذات“(51). فالحسن بن الهيثم (المتوفى سنة430  هـ) كان أثره في الحضارة الأوربية, وفي تشكيل فكرها العلمي أكثر بكثير من أثره في تكوين العقل العربي، فلا نجد لآرائه ومنهجه العلمي من شك منهجي بنّاء أي صدى داخل الثقافة العربية.

     ولدراسة العقبة العقلية الثانية أمام البحث العلمي في الرياضيات في البيئة العربية لا بد من التذكير بأن واحدة من أبرز المشاكل التي تواجهنا في دراسة الرياضيات, هي القدرة على التجريد. وترتبط هذه القدرة ارتباطاً وثيقاً باللغة؛ لأن التجريد اللغوي عند الإنسان سابق للتجريد الرياضي. ومن الجدير بالذكر أنّه في كل لغة قدراً من التجريد. ويعد التجريد اللغوي أبسط أنواع التجريد, وهو أحد مؤشرات ارتقاء العقل,  وعلى خلاف ذلك فإنّ الارتباط بالواقع الحسي دليل على بدائيته. وما يعوق اكتساب القدرة على التجريد عند الإنسان، هو استسلامه للغته، وأن يعد مفاهيمها مطلقة. أي إذا كان هذا الإنسان من النوع “الذي تصنعهم اللغة، بدلاً من أن يصنعوها”, وفق ما يقول بعضهم. فكلما قلّ تأثير اللغة في تفكيره، وخاصة الجانب المحسوس منها، أصبحت قدرته على التجريد أكبر.

 وهذا يقودنا إلى استحضار ما تشير إليه الدراسات الحديثة من أن الثقافات في العالم تقسم إلى قسمين: “الثقافة الشفاهية”  و”الثقافة الكتابية” ؛ أو هناك عقلية شفاهية, وعقلية كتابية. ولكل منهما ميزات خاصة بهما(52). فمن ميزات العقلية الشفاهية, مثلاً, الأسلوب الإطنابي, وتشجيع المبالغة, وطلاقة اللسان, والعبارات الجاهزة, وإرهاق الذهن بعملية الحفظ, والتذكر. وكل هذه الميزات تولّد حالة ذهنية تبعد الإنسان عن محاولات التجريب العقلي. وهي في النتيجة متناقضة مع طبيعة التفكير الرياضي, وفي تحصيله, وخاصة مع النزعة الاقتصادية فيه. لذلك فهي تعيق البحث العلمي في الرياضيات.

     ومن أهم ما يميز العقلية الكتابية أنها تنمّي القدرة على التجريد. يقول والترج أونج: “إنها تفصل العارف عن المعروف, في حين تضع الشفاهية المعرفة في سياق الصراع بإبقائها في عالم الحياة الإنسانية”(53). ويصعب على أصحاب الثقافات الشفاهية التفكير باستخدام المفاهيم, لأن استخدامها يعد نوعاً من التجريد. لذلك يستخدم هؤلاء المفاهيم في السياقات التي وردت فيها, ويصعب عليهم انتزاعها من تلك السياقات. والثقافة الشفاهية لا تعترف بالمنطق الصوري, في حين أن المنطق ملازم للثقافة الكتابية. وقد أشير في كتاب “الشفاهية والكتابية” إلى أنّ عديداً من الدراسات أكدت انتماء الأدب العربي بشكليه الفصيح والشعبي إلى دائرة الأدب الشفاهي المتحوّل في بعض أحواله إلى الكتابية(54). وهذه تمثل عقبة كأداء في تعّلم الرياضيات, وفي متابعة البحث العلمي فيها. لأن قوام هذا البحث, وعماد نموه, يرتكزان على “التجريد” و”التعميم”, لأن هاتين الميزتين لا تنفصلان عن طبيعة ذلك البحث. ومن المعروف أن الرياضيات, منذ القدم, تولّدت عن مشكلات منبثقة عن العالم الحسي, وسرعان ما برحت تطوّر أفكار, ومفاهيم, تقع وراء الخيال الإنساني الفعلي. ومع نموها فإن عمليتي “التجريد”, و”التعميم” قد تسارعتا على نحو مذهل. ومن ثم فإن ما يضفي الخصوصية على الرياضيات, عموماً, والرياضيات البحتة خصوصاً, هو انفرادها من بين العلوم الأخرى في ارتكازها الكامل على التفكير المجرد البحت, وتعاملها مع كائنات (مفاهيم) مجردة, ومن ثم ارتباطها مع الثقافة الكتابية من خلال اعتمادها على التفكير المفاهيمي.

     وإذا سلمنا بما يقوله البنيويون في مجال اللسانيات من أن اللغة: “هي السجن الذي يعزلنا عن الواقع(55)“؛ وما يقوله أيضاً فيلسوف العلم كارل بوبر Karl R.Popper(56) “إن الأطر, مثل اللغات, قد تكون حواجز, بل وقد تكون سجوناً”. لذلك لابد, على الأقل, من الوعي بطبيعة هذه المشكلة التي تخلقها اللغة عند معظمنا دون أن نشعر بها كي ننمي القدرة على التجريد.

     ومن العقبات أيضاً ما تسمى “فرضية الحتمية اللغوية”. ومن أوائل من قال بها الفيلسوف ولهام همبولدت Wilhelm von Humboldt (1767- 1835), في القرن التاسع عشر, ثم أعيد طرحها من جديد في النصف الأول من القرن العشرين من قبل عالم اللغويات إدوارد سابيرEdward Sapir (1884- 1939). وتشير إلى: “أن الناس تبع في تفكيرهم وإحساسهم ومشاعرهم ونظرتهم إلى الكون, للعادات التي اكتسبوها من خلال ممارستهم للغة قومهم”(57). لهذا انشغل الباحثون في تحديد أثر اللغة في تشكيل الفكر, أو في عملية التفكير. فهل ثمة فكر, أو تفكير دون اللغة؟ أو هل اللغة هي التي تحدد إطار الفكر؟ وعلى الرغم من معارضة بعض اللغويين لهذه الفرضية فثمة إقرار عام عند هؤلاء يفيد أن اللغة تؤثر أحياناً تأثيراً ما في صوغ الفكر. ويظهر الأثر السلبي لهذه الفرضية, على نحو خاص, في العقل العربي البياني الذي تشكَّل, وفق الجابري, من خلال تشييده لعلوم البيان وبقي سجيناً لها. وما يعزز ذلك هو أن ثمة علاقة بين الجانب اللساني والتفكير الرياضي كما أشرنا سابقاً.

     ولدراسة طبيعة البحث العلمي في الرياضيات ومعوقاته يجب التوقف, أحياناً, عند اعتبارات ليست بالضرورة علمية. فمثلاً عند دراسة “اللانهاية” ثمة اعتبارات أخرى خاصة بهذا المفهوم. وهذا عبّر عنه براين كليغ Brian Clegg في كتابه  “موجز تاريخ اللانهاية”A Brief History of Infinity  بقوله: “على الرغم من أنه لا يوجد علم أكثر تجريداً من الرياضيات، ولكن عندما تأتي إلى اللانهاية فقد تبيّن أنه من الصعب إبقاء الاعتبارات الروحية خارج المعادلة”. أي أن “اللانهاية” ليست مجرد كائن رياضي لا يظهر إلاّ في الإطار الرياضي, بل له امتدادات معرفية كثيرة ظاهرة, وباطنة. وهذا هو عين ما أشار إليه عديد من الفلاسفة, والمتكلمين المسلمين قديماً, مثل يعقوب بن اسحق الكندي(ولد حوالي 185هجري), وفخرالدين الرازي(543- 606هجري), وغيرهما حول الذات الإلهية, ووجودها, وصفاتها. ومن قبلهم سقراط كان يقول عن الذات الإلهية, وفق ما يذكر أبو الفتح الشهرستاني في كتابه “الملل والنحل”: “إن علمه, وقدرته, ووجوده, وحكمته, بلا نهاية”. ولكن الفرق في ذلك (بين الرياضيات وغيرها) هو أن الرياضيات, وفق ما يقول الفيلسوف ليون برنشفيك(1869-1944): “هي أعلى درجة وصل إليها الفكر الإنساني”, لذلك هي الحاضن الطبيعي لنمو مثل هذا النوع من المفاهيم, بغض النظر عن الاعتبارات الروحية.

     ومن أجل القيام بدراسة معمقة لمنجزات الرياضي جورج كانتور G.Cantor (1845-1918) حول حل واحدة من أقدم المعضلات الرياضية المتعلقة بالأعداد الموغلة Transfinite Numbers, لابد من العودة إلى طفولته. فقد ولد في وسط أسري تميّز بتلاقح بعض الثقافات الدينية المختلفة. وهذا, كما يبدو, أفضى إلى أن يبدي اهتماماً كبيراً في بعض نواحي علم اللاهوت, مثل مفاهيم الديمومة (الاستمرار أو الاتصال) (continuity) (يستخدم العهد القديم الكلمة العبرية “عولام” للدلالة على الدوام والاستمرار), واللامتناهي (infinity). بيد أنه لم يلق تشجيعاً من أهله لدراسة الفلسفة, بل حاول والده ثني عزيمته عن ذلك بحضه على دراسة الهندسة. وتفادياً لهذا النزاع اختار الرياضيات حلاً وسطاً. بيد أن هذه الاهتمامات بقيت كامنة في تفكيره, وأضحت خميرة إنجازاته الرياضية اللاحقة عن “اللانهاية”, التي كانت من أهم إرهاصات ولادة نظرية المجموعات التي طبعت الرياضيات الحديثة بطابعها. فقد ترجم توقه المكبوت في دراسة علم اللاهوت إلى أبحاث رياضية. وقاده حلمه الطفولي إلى تحقيق الحلم الذي ما برح دائرة اهتمام الرياضيين, والفلاسفة ردحاً من الزمن(58).   

      وعلى الرغم من أهمية عالم “اللانهائيات” في الرياضيات, والمساحة التي يشغلها في الفكر الرياضي, بيد أننا لا نجد اهتماماً كافياً بدراسة الدوافع النفسية الكامنة وراء هذا الاهتمام. ويشير بعضهم (وفق الموسوعة الفلسفية العربية), مثلاً, إلى أنه في ميدان النظريات السياسية قد نجد أن أصحاب الميل إلى المفهوم النهائي يميلون إلى النظريات الاستبدادية, وأشباهها, وأصحاب الميل إلى المفهوم اللانهائي يفضلون النظريات ذات الطابع الديمقراطي. وهذا يدفعنا للقول: إن نظير الحرية في الحياة هو “اللانهاية” في الرياضيات.

بعض المقترحات

    وثمة عدة مقترحات تساعد الدارس في التمكن من مهارات البحث العلمي في الرياضيات, منها:

  1. الاهتمام جداً بالتعاريف الرياضية, والوعي بدورها الوجودي, لأنها على قدر كبير من الأهمية, وتشكّل حجر الأساس في بنائها, وخاصة إذا عرفنا أنها, وفق تعبير الرياضي الفرنسي هنري بوانكاريه Henri Poincare (1854- 1912) هي: “لغة مبنية جيداً”. وهذا الواقع يخالف ما يدرج عليه معظم دارسيها, وخاصة المبتدئون منهم, حيث يركزون على الأمثلة والتطبيقات على حساب إهمال التعاريف. وتفكير هذا الدارس يلتصق بالتطبيق, ولا يستطيع التفكير إلا من خلاله. وهو في هذا الجانب يشبه -صورياً- أصحاب “الثقافات الشفاهية”. ومن المفارقات في تعلم الرياضيات نجد أن آخر شيء يهتم به الطالب العربي في تعلمها هو “التعاريف”. وحتى لو اهتم بعضهم بها نجد أنهم يحفظونها على نحو أعمى بعيداً عن فهم كنهها, أو تمثل معناها.
  2. وخاصة إذا عرفنا أن ثمرة هذه الصرامة هي الإبداع. وأول من أشار إلى ذلك الرياضي الألماني الفذ كارل غوص Carl Friedrich Gauss (1777-1855). يقول رولان أمنيس: “وغاوس على أي حال جدير بكل تقدير, لأنه أعلن أن الصرامة هي أم الإبداع”(59).
  • الوعي بطبيعة الرياضيات بحلتها الحديثة “الفرضية–الاستنتاجية” التي أتت تتويجاً لتعريف برتراند رسل على أنها: “دراسة القضايا p التي تقتضي القضايا q”. وهذه الطبيعة مفارقة تماماً لبنية العقل العربي و”الأنظمة المعرفية” التي تستوطن مساحة كبيرة منه, إذا سلمنا بما يقوله الجابري. لأن هذه “الأنظمة” هي مسارات تفكير العقل العربي, ولهذا يستصعب قبول هذه الطبيعة كون مساراته مسبقة الصنع.
  • إن معظم المؤشرات الحديثة تشير إلى أن الفتوحات العلمية الكبيرة تأتي من الأشخاص متعددي الاهتمامات. لذلك يقول كارل بوبر: “إن الخطوات التقدمية العظمى ما زال يقطعها أولئك الذين يستمتعون بمجال رحيب من الاهتمامات“(60). والسبب في ذلك هو أن هؤلاء لا يسجنون أنفسهم في اختصاصهم, كي يقبعوا جُلّ حياتهم وراء قضبان معارفه. يقول الرياضي والفيلسوف موريس كلاينMorris Kline (1908- 1992): “إن ثمن التخصص هو العقم. وربما تتطلب التخصص براعة فائقة, ولكن قلما يكون ذا معنى”. وهذه الثقافة لم تزل محدودة الانتشار في مجتمعاتنا العربية, حيث لم تزل الحدود بين الاختصاصات العلمية قائمة ولم ترفع بينها. وهذه عقبة كأداء أمام تطور جامعاتنا.

5- ومن بعض الدوافع العميقة والخفية, ولها علاقة بتطور الرياضيات – في بعض جوانبها– أنها لم تكن بعيداً عن الدوافع الفلسفية لبعض الرياضيين, وخاصة عند أولئك الذين جمعوا بين الرياضيات والفلسفة, وهؤلاء ليسوا قلة. بل حتى إن بعضهم ذهب بعيداً في مسعاه حينما غلّب الجانب الفلسفي على الجانب الرياضي عندما كان يشعر أن ثمة تعارضاً بين الجانبين.

      كذلك فإن دوافع معظم من حارب جورج كانتور, وأفكاره الرياضية, من معاصريه كانت فلسفية. وغير ذلك كثير من الأمثلة. وهذا يشير إلى العلاقة الخاصة, التي لا تنفصم عراها, بين الرياضيات وفلسفتها, مع الفلسفة. في حين أن الاهتمامات الفلسفية لدارسي الرياضيات في البيئة العربية قليلة, إن لم نقل معدومة.

6- وأي دارس لطبيعة البحث العلمي في الرياضيات يجب أن يدرس الألغاز والأحجيات الشعبية ذات الطابع الرياضي, لما تنطوي عليه من مغزى علمي. فالألغاز مخزون معرفي كثيراً ما يزوّد الفكر الرياضي بعديد من التحديات العقلية, التي يكون حلها فتحاً علمياً. وبغض النظر عن الدوافع النفسية, والعقلية, والمعرفية, التي قامت, ولم تزل, بدور في تطور الألغاز, فإن الشيء الثابت هو أن معظم هذه الألغاز قد ارتبطت بالرياضيات وتطورها ارتباطاً وثيقاً. فضلاً عن أن الألغاز كثيراً ما تكون سرداً أدبياً لبعض الأفكار الرياضية, وتلونت وفق السياق الورادة فيه. وكثيراً ما تستبطن الألغاز فكرة رياضية عميقة تنتظر من يكتشفها ليعبّر عنها رياضياً. في حين أن معظم الألغاز والأحاجي في التراث العربي ذات طابع لغوي, أو نحوي, أو فقهي, أو عن كشف المُعَمّى من الشعر, وما تبقى تعتمد على تفادي الخديعة. وقلما نجد ألغازاً رياضية مثل المسألة الواردة في الأثر المتعلقة بتقسيم 17 جملاً بين ثلاثة رجال, يملك الأول نصفهم, والثاني ثلثهم, والثالث تسعهم, دون تقسيم أي من الجمال.

    وختاماً نقول: “إذا أردت أن تنظر إلى حضارة أمة فانظر إلى واقع الرياضيات فيها”, بدلاً من القول المعروف: “إذا أردت أن تنظر إلى حضارة أمة فاستمع إلى موسيقاها”.

 

الهوامش:

1- “مفهوم الدولة”, عبد الله العروي, المركز الثقافي العربي (لبنان), الطبعة الخامسة 1993, الصفحة 33.

2-انظر: “لماذا تطول اضطرابات الشرق الأوسط؟ مقاربة صورية”, محمود باكير, مجلة المستقبل العربي, مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت, العدد 478, الصفحات 68-86.

3-لمزيد من المعلومات انظر المرجع السابق.

4- انظر: “تكوين العقل العربي”, محمد عابد الجابري, مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت), الطبعة التاسعة -2006, الصفحة 24. حيث يشير في الحواشي إلى أنه يستلهم ذلك من كتاب جان ألمو Jean Ullmo , “الفكر العلمي الحديث ” المنشور باللغة الفرنسية.

5- المرجع السابق، الصفحة 345.

6- “العرب وتحديات العلم والتقانة”, أنطوان زحلان, مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت,1999,  الصفحة 26.

          7-انظر: “الرياضيات مفتاح النهوض في التعليم العالي في الوطن  العربي”, محمود باكير, مجلة المستقبل العربي (مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت), العدد 454.

        8– لمزيد من المعلومات انظر المرجع السابق.

       9- لمزيد من المعلومات انظر:

       Organization for Economic Co-operation and Development (OECD)

       منظمة التطوير والتعاون الاقتصادي.  

    10- انظر في الشبكة العالمية للمعلومات:

 List of countries by number of Fields Medalists – Wikipedia

 11- للجابري أربعة كتب في نقد العقل العربي, هي: “تكوين العقل العربي” الصادر عام 1984, و”بنية العقل العربي” الصادر عام 1986, و”العقل السياسي العربي” الصادر عام 1990, و”العقل الأخلاقي العربي” الصادر عام 2001. وجميعها صادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.

12-  من المعروف أن القوانين الأساسية للفكر ثلاثة, هي:

  1. قانون الهوية (الذاتية) (The Law of Identity) الذي ينص: “الشيء المعين هو ذاته, مهما اختلف سياقه”, ويعبر عنه رمزياً على النحو: “ق هي ق”.
  2. قانون عدم التناقض The Law of Non-contradiction الذي ينص: “لا يمكن أن تكون القضية ق ونفي ق في آن واحد”. أي إذا تحققت القضية ق انتفى نقيضها.

         3 – قانون الثالث المرفوع The Law of excluded middle ونصه: “القضية إما ق أو نفي ق ولا وسط بين ذلك”. أي “ليس ثمة وسط (ثالث) بين ق ونفي ق”.  

13- انظر: “جغرافية الفكر”, ريتشارد نيسبت, ترجمة: شوقي جلال, عالم المعرفة (الكويت), فبراير 2005.

14-  المرجع السابق, الصفحة 54.

15-  المرجع السابق, الصفحة 49.

16-  المرجع السابق, الصفحة 45.

17-  المرجع السابق, الصفحة 49.

18- “العدد من الحضارات القديمة حتى عصر الكومبيوتر”, جون ماكليش, ترجمة: خضر الأحمد وموفق دعبول, عالم المعرفة (الكويت), 1999, الصفحة 10.

19- المرجع السابق, الصفحة 15.

20- المرجع السابق, الصفة 15.

21-” المعجم الفلسفي”, تصدير إبراهيم بيومي مدكور – القاهرة، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية: مجمع اللغة العربية, 1983 م, الصفحة 142.

22-“حكمة الغرب”, برتراند رسل, ترجمة: فؤاد زكريا, عالم المعرفة-الكويت, الطبعة الثانية 2009, الجزء الأول, الصفحة33.

23- المرجع السابق, الصفحة 33.

24- المرجع السابق, الصفحة28.

25-“هندسة إقليدس في أيد عربية”, تحقيق: أحمد سليم سعيدان, دار البشير (الأردن), الطبعة الأولى, 1991, الصفحة5.

26- المرجع السابق, الصفحة5.

27-“حكمة الغرب”, الصفحة28.

28– المرجع السابق, الصفحة28.

29- المرجع السابق, الصفحة 29.

30- “جغرافية الفكر”, الصفحة 54. 32

31- انظر: “الشفاهية والكتابية”، والترج أو نج، ترجمة: حسن البنا عز الدين، عالم المعرفة – (182)، الكويت.33

32-المرجع السابق, الصفحة 204.

33-المرجع السابق, الصفحة 206.

34-“جغرافية الفكر”, الصفحة 27.

35- “البيان والتبيين“, الجاحظ , دار ومكتبة الهلال، بيروت ـ, 1423ه, ج1, الصفحة 241.

36-“رياضيات الخوارزمي..تأسيس علم الجبر”, رشدي راشد, ترجمة: نقولا فارس, مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت), 2010, الصفحة 54.

37-لمزيد من المعلومات انظر المرجع السابق.

38-“رياضيات الخوارزمي”, الصفحة 73.

39-للجابري أربعة كتب في نقد العقل العربي كما أشرنا سابقاً.

40-رياضيات الخوارزمي”, الصفحات 48 و49.

41-“التاريخ الجديد: الذهنيات والثقافة الشعبية في لبنان والوطن العربي والشرق الأوسط”,المنهل-لبنان, 2012, الصفحة218.

42-لمزيد من المعلومات انظر: “جغرافية الفكر”.

43-“تكوين العقل العربي”، الصفحة 345.

44-رباعية الجابري حول “نقد العقل العربي”.

45-“بنية العقل العربي”, محمد عابد الجابري, مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت, الطبعة السابعة, 2004, الصفحة 384.

46-المرجع السابق, الصفحة 13 وغيرها.

47-“تكوين العقل العربي”، الصفحة 339.

48-المصدر نفسه، الصفحة 5.

49-“تاريخ الرياضيات العربية”، رشدي راشد، ترجمة: حسين زين الدين، مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت) 1989، الصفحة 64. ولمزيد من المعلومات حول فصائل اللغات السامية, والآرية, وغيرها, والشعوب الناطقة بها, انظر: “دراسات في فقه اللغة”, صبحي الصالح, دار العلم للملايين (بيروت), الطبعة السادسة, 1976, الصفحة 41 وما بعددها.

50 – “تكوين العقل العربي”، الصفحة 347.

51 – “تكوين العقل العربي”، الصفحة 350.

52- انظر: “الشفاهية والكتابية”، الصفحة 47 وغيرها.

53-“الشفاهية والكتابية”، الصفحة 107.

54-“الشفاهية والكتابية”، الصفحة 44.

55- “النظرية الأدبية الحديثة”, آن جفرسون وديفيد روبي, ترجمة: سمير مسعود, وزارة الثقافة (السورية), 1992, الصفحة 144.

56- “أسطورة الإطار”, كارل بوبر, ترجمة: يمنى طريف الخولي, عالم المعرفة (الكويت), 2003, الصفحة 90.

57-مجلة عالم الفكر (الكويت), مج 28, العدد الثالث- يناير/ مارس 2000, الصفحات 9-28.

58 – انظر: “كانتور بين إنجازاته الفذة ومصيره المحزن”,  محمود باكير, مجلة أفكار(الجمعية السعودية للعلوم الرياضية) , العدد 6, 1996.

59- “فلسفة الكوانتم”, الصفحة 88. 60- “أسطورة الإطار”, الصفحة99.

1 thought on “بعض “العوائق العقلية” للمشروع النهضوي العربي (الرياضيات وسيلة)

Comments are closed.