د. محمود باكير
(نشر هذا المقال في مجلة المعرفة -وزارة الثقافة السورية, العدد 402, آذار/مارس 1997)
المنطق في اللغة هو الكلام , وعند الفلاسفة ـ حسب تعريفات الجرجاني . ( آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن من الخطأ في الفكر ) . وبعض الفلاسفة يعرفه على أنه فن التفكير, وكان يقول عنه السجستاني (نحو عقلي ) وهو ضرورة لكل العلوم , بل هو آلة العلوم , و المنطق مستقر في نفس كل ذي لب , كما يقول ابن حزم الأندلسي في كتابه ” التقريب لحد المنطق ” . و قد أوصى الامام الغزالي في المستصفي بدراسته و يقول : (من لا دراية له بالمنطق لا يوثق بعلمه ) . و يقسم تاريخ المنطق عند البعض إلى ثلاث فترات : الفترة الكلاسيكية و التي استمرت حوالي ألفي عام , وقد سيطر عليها فكر أرسطو ( 384- 322ق . م ) واضع أصول المنطق الصوري . ثم الفـترة الرمزيـة و التي بدأت مع الريـاضي و المنطقي الإنكليزي جـورج بول (G. boole ) , و انتهت بالرياضي الألماني هيلبرت (D. Hilbert) (1862- 1943م ) ثم الفترة الحديثة ( الفترة الرياضية ) و التي بدأت مع أعمال الرياضيين و المنطقيين الإنكليزيين برتراندسل ( 1872- 1970) ووايتهد ( A.N.Whitehead) ( 1861 – 1947 م) و المستمر و حتى الآن .
والبعض يعتبر أن هذه الفترة قد بدأت مع المنطقي النمساوي غودل (Godel ) (1906- 1978م ) ومن ثم فإن المنطق الرياضي الحديث هو الصورة المتطورة عن المنطق كما ذكر رسل ووايتهد . و جورج بول هو صاحب مشروع تحويل التفكير المنطقي إلى نوع من أنواع الجبر . وكان هذا إيذاناً بولادة المنطق الرمزي , الذي يعتبر الحلقة الأساسية في تطور الفكر المنطقي في سياقه الرياضي . وكان جل أمله من إعطاء المنطق هذا اللباس الجبري هو الصرامة و الدقة . وهما هاجس كل رياضي .
حياته
ولد بول في مدينة لنكولن (Lincoln ) في انكلترا عام 1815م لوالد كان يعمل إسكافاً , ويظن أنه كان له إلمام بسيط في الرياضيات . تلقى بول تعليماً بسيطاً في إحدى مدارس مدينته . بيد أنه سرعان ما ترك المدرسة لينصرف إلى التعلم الذاتي .وقد أبدى في مستهل حياته اهتماماً بدراسة الأدب ثم تعلم اللغات اللاتينية, و اليونانية و الفرنسية و الألمانية و الايطالية . و في السادسة عشرة من عمره بدأ حياته العلمية معلماً في إحدى مدارس مدينة دونكستر (Doncaster) و بعيد ذلك بدأ التحول الكبير في حياته حيث انصرف إلى دراسة الرياضيات بشكل جدي . و شرع بدراسة أعمال الرياضي لابلاس ( Laplace) (1749- 1827م) و الرياضي لاغرانج (Lagrange) (1736- 1813م ) و خلال بضع سنوات بدأ يقدم الأبحاث الرياضية الأصيلة .وما انفك خلال تلك الفترة يراسل كبار الرياضيين المعاصرين . وقد استحوذ على اهتمامه بعض القضايا الخرفية في المنطق,والتي كان يشاطر بها صديقة الرياضي والمنطقي دي مورغان (De .Morgan) (1806- 1871م ) وكان قد طرح هذه القضايا على دي مورغان الفيلسوف الاسكتلندي السير وليام هاملتون (H amilton ) (1877- 1856 ) ونتيجة لتلك الاهتمامات قام بول بنشر كتيب عام 1847 م بعنوان :” التحليل الرياضي للمنطق – the Mathematical Anylysis of Logic” و الذي كان إرهاصاً لكتابه الثاني ذائع الصيت و الموسوم بـ ” قوانين الفكر ” و اسمه الكامل ” بحث في قوانين الفكر – An Investigation of Laws Thought و الذي أصدره عام 1854م و اعترف دي مورغان بأن هذا العمل سيكون فاتحة عصر جديد في مسيرة العلم و في عام 1849 انتخب لكرسي الرياضيات في كوين كولج ( QueensCollege)في مدينة كورك Cork في جنوب ايرلندا ( الجمهورية الايرلندية حالياً ) و أمضى فيها بقية حياته .
وقد سعى في كتابه ” قوانين الفكر ” إلى تجبير المنطق , وذلك من خلال معالجته بشكل شبيه لما يجري في الجبر. وقد ذكر في بداية الكتاب أن الهدف من هذه الدراسة هو تحري القوانين الأساسية للعمليات العقلية التي يتم بها الاستدلال . و أن تصاغ بلغة الحساب الرمزية . و على هذه الأسس سيشاد علم المنطق و تنجز طرقه . و يعتبر هذا الكتاب أحد المآثر العظيمة فيس تاريخ الرياضيات لأنه كان الحجر الأساس في بناء المنطق الرمزي , و في بزوغ جبر جديد أصبح يدعى فيما بعد جبر بول ( Boolean algebra) وكذلك جبر المنطق ( AlgebraLog of Logic ) وفي الأربعين من عمره تزوج بول من ماري ايفرست ( Mary Everest ) من مقاطعة ولز في بريطانيا (2)صاحبة العديد من الدراسات التربوية و تشغل أعمالها الكاملة أربعة مجلدات . حيث تطرقت في بداية هذه الأعمال إلى بعض مذكرات زوجها . فقد ذكرت أنه استغرق سبع سنوات في إنجاز كتابه ” قوانين الفكر ” و قد تمنى لو أنه مكث خمس عشرة سنة في ذلك . و في أواخر شهر تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1864م توجه من منزله إلى كليته سيراً على الأقدام ( و التي تبعد حوالي ثلاثة كيلو كترات ) في جو ماطر و عاصف . و ألقى محاضرته بثيابه المبللة . فأدى ذلك إلى إصابته بالتهابات حادة .كما كان يعاني أصلاً من وهن شديد نتيجة انغماسه بعمله حيث كان دؤوباً و مثابراً و قد أدى ذلك إلى وفاته قبل أن يبلغ الخمسين .
بول و أدوات الربط المنطقية
إن معظم مناهج الرياضيات المعاصرة في الجامعات , و في المرحلة الثانوية , تتضمن مقدمة عن المنطق . حيث يعرض فيها ” حساب القضايا – Propositional Calculus ” و هذا يدرس أدوات الربط المنطقية ( و , أو , النفي , إذا كان …. فإن , إذا و فقط إذا ) و التي يطلق عليها أيضاً ( الوصل , الفصل , النفي , الاقتضاء , التكافؤ “ثنائي الاقتضاء ” ) وقد اتضحت هذه الأدوات و تبلورت بل و شاع استخدامها على نطاق واسع منذ عمل بول و غيره من مناطقة النصف الثاني من القرن المنصرم .فقد أحكم بول السيطرة على ثلاث أدوات منطقية (من أصل خمس ) و هي ( و , أو , النفي ) .
و مما لاحظه بول أن حرف العطف (و) يشاطر عملية الجمع المألوفة (+) ببعض خصائصها الشكلية , فمن ذلك أن كليتهما مستقلتان عن طبيعة الحدود التي يربط بينها , فمثلاً عبارة ” الفرنسيون و الألمان ” هي عين عبارة “الألمان و الفرنسيون ” و كذلك الأمر نفسه في الجبر , حيث أن س + ص = ص + س , من أجل أي عددين س, ص . وهذا ما يطلق عليه بأن الجمع تبديلي , أو أنه يتصف بالخاصة التبديلية .
و بذلك يكون قد وضع من خلال تلك الأدوات الأساس النظري لتحويل العمليات الحسابية (الجمع ,الضرب …) و العمليات المنطقية (كمقارنة عددين …) (3) التي تطبق على الأعداد إلى دارات كهربائية تستخدم في الحواسيب . لذلك فإن ثمة من يقول بأن بول واهب الحاسوب ( الكمبيوتر ) ملكة ” العقل ” .
الترميز عند بول
إنه من المعروف أن المنطق بشكل عام كان يستخدم نوعاً من الرمزية غير المحكمة بل و ليست دقيقة . بيد أن بول هو أول من قام بمحاولة ترميز المنطق بشكل منهجي و منظم وفقاً لقواعد صارمة . فقد استخدم رموزاً مستقاة من الجبر للتعبير عن العمليات الفكرية . و تمخض عن ذلك منطق جديد . و البعض يعتبر أن ما قام به بول هو ايجاد جبر جديد يختلف عن الجبر العادي المألوف .
فقد استخدم أحرفاً من الأبجدية ( س , ص , ع , ب , جـ , ……… ) للدلالة على أي موضوع نحن بصدد دراسته و أكثر دقة للدلالة على مجموعة جزئية من مجموعة الأشياء ( أعداد , نقاط , أفكار , أو أية كائنات أخرى مأخوذة من ” مجموعة كلية ” ) و رمز للمجموعة الكلية بالرمز (1) , أي بالرقم واحد . و البعض يطلق عليها المجموعة الشاملة أو الصف الكلي ( Universal Class) و افترض بول وجود مجموعة خالية أو الصف الفارغ ( Null Class) ( و هي مجموعة لا تحوي أي عنصر من المجموعة الكلية ) و رمز لها بالرمز (0 ) أي الصفر و قد انطلق بول , في اعتبار هذا , من مفهوم مفاده أن الواحد هو كل شيء . و أن الصفر لا شيء . فمثلاً إذا اعتبرنا أن الأوربيين هي المجموعة الكلية ( المجموعة التي قيد الدراسة ) , فإننا نرمز لها بالرمز 1 . و لنفرض أن س ترمز للأوربيين الفرنسيين , و ترمز ص للأوربيين الرجال الذين الذين يزيد عمرهم عن خمسين عاماً , و ترمز ع للأوربيين الذين يزيد طولهم عن 180سم . و استخدم بول الاشارة (+) بين حرفين , كما في س + ص للدلالة على اجتماع ( اتحاد ) المجموعتين الجزئيتين س , ص . و هي تعني عند بول , المجموعة المتشكلة من اجتماع عناصر س مع عناصر ص , على أن تستثنى العناصر المشتركة بينهما . و المنطقة المظللة في الشكل (1) تمثل اجتماع المجموعتين س , ص عند بول .
و من الجدير بالذكر أن هذه العملية أصبح يطلق عليها الآن في الأدبيات الرياضية ” الفرق التناظري ” بين المجموعتين
س , ص , و يرمز لها بالرمز س ص , ولكن ثمة من يطلق
عليها الجمع البولياني () . بينما دي مورغان استخدم مفهوماً
للاجتماع يلزم بأخذ العناصر المشتركة بين المجموعتين . وجبر بول
الحديث و المتداول حالياً يأخذ الاشارة (+) لتعني مفهوماً للاجتماع كما عرّفه دي مورغان .
كما استخدم بول إشارة الضرب ( X) بين مجموعتين للدلالة على تقاطع هاتين المجموعتين حيث نكتب سXص , و تكتب أيضاً ( س. ص ) أو ( س ص ).
وهي – تعريفاً – مجموعة العناصر المشتركة بينهما و تسمى هذه العملية أحياناً بالضرب المنطقي . و المنطقة المظللة في الشكل (2) تمثل تقاطع المجموعتين س و ص
و في المثال المذكور آنفاً إن س ص تمثل مجموعة الفرنسيين الرجال الذين يزيد عمرهم عن خمسين عاماً . و قد عبر عن الهوية بعلامة التساوي (=) حيث استخدم هذه الإشارة للدلالة على علاقة التطابق بين مجموعتين جزئيتين , للدلالة على أن لهما العناصر ذاتها.
تعريف الحلقة ( RING )
إن أفضل السبل لدراسة منطق بول الرمزي هو باستخدام إحدى البنى الأساسية في الجبر المجرد ( الجبر الحديث ) , وهي ” الحلقة ” . وعلى الرغم من أن تناول البنى الجبرية يتطلب حداً أدنى من القدرة على التجريد عند الدراس إلا أننا سنحاول تبسيط هذا المفهوم قدر الامكان . ومن الجدير بالذكر أن البنى الجبرية يشيع استخدامها في الرياضيات المعاصرة , ونجد بعض مبادئها في مناهج الرياضيات للمرحلة الثانوية , و مفهوم الحلقة متضمن في بعض أعمال رياضيي القرن التاسع عشر الميلادي . بيد أنه لم يعترف عليه كمفهوم رياضي ذي كيان مبلور إلا في هذا القرن . و البنية الجبرية – ببساطة – هي مجموعة معرف عليها عملية رياضية أو أكثر و تحقق شروطاً معينة .
لنأخذ مجموعة الأعداد الصحيحة ( الموجبة و السالبة ) و التي يصادفها الدارس في بداية الجبر العادي
( …….و7و6و5و4و3و2و1و0, -1, -2 , -3 , -4 , -5 , -6 , -7 , ……… )و لنفرض أن س و ع رمزان لأي عددين صحيحين بما في ذلك احتمال تساويهما ( س = ص ) . إن س + ع يمثل حاصل جمعهما , و سx ع يمثل حاصل جداؤهما ( بالشكل المألوف ) إن الكائن الناتج عن هاتين العمليتين (الجمع و الضرب) ينتمي إلى المجموعة ذاتها لأن حاصل جمع عددين صحيحين هو عدد صحيح , و حاصل جداء عددين صحيحين هو عدد صحيح . لذلك يقال إن مجموعة الأعداد الصحيحة ” مغلقة ” بالنسبة للجمع و الضرب . و هاتان العمليتان تحققان القواعد التالية ضمن هذا الاطار .
س + ع = ع + س ( الخاصة التبديلية بالنسبة للجمع )
( س + ع ) + ص = س + ( ع + ص ) ( الخاصة التجميعية بالنسبة للجمع )
(س x ع ) x ص = س x ( ع x ص ) ( الخاصة التجميعية بالنسبة للضرب )
( س + ع ) x ص = (س x ص ) + (ع x ص ) ( توزيع الضرب على الجمع من اليسار )
ص x (س +ع ) = (ص x س )+ ( صx ع ) ( توزيع الضرب على الجمع من اليمين )
من أجل أي عددين ع و ص فإن ثمة عدداً س في هذه المجموعة بحيث أن س + ع = ص , وهو ما يمكن أن نطلق عليه ” قانون الطرح ” و هذا القانون لا يشير إلى وحدانية العدد س , ولكن يمكن البرهان على ذلك انطلاقاً منه ومن غيره من القوانين التي تتعلق بالجمع . و نشير عادة إلى العدد س بالرمز ص- ع .
و الآن إذا كان لدينا مجموعة من الأشياء ( س , ع , ص , ب , جـ , … ) و كانت هذه المجموعة مغلقة بالنسبة لعملتين افتراضيتين يمكن أن يرمز لهما ( + ) و (x ) . و كانتا حققان القوانين المذكورة آنفاً فإننا نسمي هذه المنظومة ( المجموعة مع العمليتين ) ” حلقة ” و نسمي هاتين العمليتين ” بالجمع ” و ” الضرب ” على الترتيب , وذلك لتشابهما بالصورة مع عمليتي الجمع و الضرب في الحساب . هذا و مجموعة الأعداد الصحيحة ( مع عمليتي الجمع و الضرب المألوفتين ) تعتبر أوضح مثال عن الحلقة . كذلك مجموعة الأعداد الكسرية كما أنه ثمة أمثلة أخرى عديدة . ومن الشائع أن نكتب س x ع بالشكل س ع لذلك فإن سx س تكتب س2 ( و تقرأ س مربع أو س مرفوعة للقوة اثنين ) . و إذا تحقق في حلقة ما أن س2 = س من أجل أي س ( خاصة اللانمو ) , بالإضافة إلى أن فيها عنصراً حيادياً (بالنسبة لعملية الضرب) أي أن ثمة عنصراً “1” بحيث أن 1 x س = س x 1 = س من أجل كل س , فإنها تسمى حلقة بوليانية ( Boolean Ring ) .
وهذه الأخيرة بالضرورة تبديلية ,أي أن عملية الضرب فيها تبديلية (سxع = عxس) ومن الممكن الحصول على حلقة بوليانية و ذلك بأخذ جميع المجموعات الجزئية لمجموعة ما , أي بتشكيل مجموعة عناصرها عبارة عن مجموعات جزئية ( أجزاء ) من مجموعة ما معطاة . و يمكن التعبير – في هذه الحلقة – عن قولنا إن س مجموعة جزئية من ع ( أو س محتواة في ع ) بكتابة المعادلة س = س ع . و يمكن توضيح ذلك إذا عرفنا أن س ع هذا السياق تمثل تقاطع المجموعتين س و ع ( أي مجموعة العناصر المشتركة بينهما ) ومن ثم فإن س محتواة في ع إذا كان حاصل تقاطعهما هو ع س , كما يوضح الشكل (3). وهذا يعبر عنه بالرموز الحديثة و المتداولة في نظرية المجموعات , والتي نجدها في أي كتاب مدرسي للرياضيات بالشكل س ↄ ع يكافىء س ↄ ع = س .
ومن الجدير بالذكر أن س2 = س صحيحة في الجبر العادي
– حصراً – عندما تكون قيمة س تساوي الصفر أو الواحد ( و هذا ما يطلق عليه جذري المعادلة س2 = س ) . بينما هذه المعادلة محققة دوماً في أية حلقة بوليانية على اعتبار أنها شرط لوجود الحلقة . فإذا كانت س ترمز لمجموعة الرجال الفرنسيين الذين يزيد عمرهم عن خمسين عاماً, فإن س2 = (سx س ) تعني مجموعة الرجال الفرنسيين الذين يزيد عمرهم عن خمسين و مجموعة الرجال الفرنسيين الذين عمرهم عن خمسين عاماً . و هذا ليس أكثر من تكرار و من ثم فإن الناتج هو س.
و هذه إحدى أوجه الخلاف بين الحلقة البوليانية و جبر المنطق , و بين الجبر العادي , لأن ثمة خلافات أخرى . فمثلاً إذا كان س ص = س ع (حيث أن س ليست المجموعة الخالية) فإن هذا لا يقتضي أن ص= ع و هذا خلاف الجبر العادي و الذي نستطيع فيه اختزال س من الطرفين طالما أنها لا تساوي الصفر .وتوضيحاً لذلك لنأخذ مجموعات س, ع , ص كما في الشكل (4) . إن س ص تمثل المنطقة المشتركة بين س و ص ( المنطقة المظللة)
أي أن س ص = س ع مع أن ص لا تساوي ع .
ومن المعروف في الجبر العادي أنه إذا كان حاصل جداء عددين س و ع يساوي الصفر ( س ع = 0 ) فإنه لابد أن يكون أحدهما على الأقل يساوي الصفر . بينما هذا غير صحيح في جبر المنطق . وتوضيحاً لذلك لنفرض لدينا مجموعتان س و ع بحيث أن س ع =0 ( أي أن تقاطعهما خال , لأن الصفر عند بول يمثل المجموعة الخالية ) و بالتالي لا يوجد أي عنصر مشترك بينهما مع أن كل من المجموعتين ليست خالية , انظر الشكل (5) .
هذا و قد اعتبر بول أن نفي س هو 1- س ( الواحد مطروحاً منه س)
و لتوضيح ذلك لنفرض أننا في حلقة بوليانية , و أن س مجموعة جزئية من مجموعة كلية ما , لذلك فإن س2= س . و هذه تكتب بالشكل س ( 1- س ) = 0 (كما في الجبر العادي ) . هي تعني أن تقاطع س مع (1- س ) يساوي المجموعة الخالية .
و هذا يقترح أن نسمي ( 1- س ) متممة المجموعة الجزئية س . و نعني بها مجموعة العناصر التي تنتمي إلى المجموعة الكلية و لا تنتمي إلى س . و المنطقة تمثل متممة س .
بول و القوانين الأساسية للفكر
إنه من المعروف أن القوانين الأساسية للفكر ثلاثة :
- قانون الهوية ( الذاتية ) ( The Law of Identity ) والذي ينص على أن ” ق هي ق ” أو ” ق تكون ق ” .
- قانون التناقض ( The Law oF C ontradiction ) و الذي ينص على أنه ” لا يمكن أن تكون القضية ق و نفي ق في آن واحد “أي إذا أثبتنا قضية ما لا يمكننا أن ننفيها في الوقت نفسه . و البعض يطلق على هذا القانون ” مبدأ ليبنتز في عدم التناقض ” .
- قانون الثالث المرفوع ( The Law of excluded middle ) و نصه ” القضية إما ق أو نفي ق و لا وسط بين لك ” أي ” ليس ثمة وسط (ثالث ) بين ق و نفي ق ” وهو يعني أن النقيضين لا يمكن أن يكونا صحيحين معاً أو خاطئين معاً , بل لا بد من أن أحدهما صحيح و الآخر خاطىء . و إذا تبينا طريقة بول في نظرته إلى الأشياء فإن العديد من المبادىء الميتافيزيقية قد أضحت حقائق جبرية . لنر كيف استنتج بول ” قانون التناقض ” بطريقة جبرية انطلاقاً من عبارة بسيطة . فقد تبنى بول الفرضية س2 = س كقانون أساسي للفكر. ثم س – س2 = 0 وبالتالي س (1- س) =0 الحد الأول من الطرف الأيمن : القضية س , و الحد الثاني : ( 1 – س ) هو نفي س كما ذكرنا آنفاً . و الطرف الأيسر ( الصفر ) يرمز إلى المجموعة الخالية ( لا شيء ) و بالتالي أصبحت العبارة تعني أنه لا وجود لشيء مشترك بين القضية و نفيها . أي أن ” س و نفي س ” غير صحيح.وهوعين قانون التناقض. كما يمكن التعبير عن قانون الثالث المرفوع بالعبارة الجبرية س + (1 – س ) =01 أي أن أي عنصر إما أن ينتمي إلى المجموعة س أو ينتمي إلى متممتها . و حسب الشكل (6) فإن أي عنصر إما أن يقع ضمن س أو في المنطقة المظللة و ليس ثمة حل ثالث .
بول و القياس
إنه من المعروف أن القياس هو أكمل أنواع الاستنتاج الصوري من وجهة نظر المنطق الصوري . و القياس انتقال من قضيتين تلزم عنهما قضية أخرى تسمى نتيجة . ومن أشهر أمثلة القياس :
كل رجل فان ” مقدمة كبرى “
سقراط رجل ” مقدمة صغرى “
سقراط فان ” نتيجة “
فإذا صدقت المقدمتان صدقت النتيجة بالضرورة في المنطق الصوري .
و الآن سنحاول الوصول إلى هذه النتيجة انطلاقاً من المقدمتين باستخدام بعض الطرق الجبرية . لذلك سنفرض أننا اخترنا المجموعة الكلية بحيث تتضمن ” مجموعة كل الفانين ” و ” مجموعة كل الرجال ” , و مجموعة وحيدة العنصر تتألف من سقراط . و انرمز لهذه المجموعات على التوالي بالرموز س , ع , ص . و بالتالي فإنه يمكن التعبير عن القضية الأولى ” كل الرجال فانون ” بالمعادلة التالية : ع = س ع ( و هذا لا يفترض صحة هذه القضية , بل تنص المعادلة على أنه إذا أردنا تأكيد صحتها فإنه يعبر عنها بهذه الطريقة ) و بالمثل فإنه يمكن التعبير عن القضية الثانية ” سقراط رجل ” بالمعادلة التالية : ص = ع ص . و بتعويض قيمة ع من المعادلة الأولى في المعادلة الثانية نحصل على : ص = س ع ص , و بضرب طرفي هذه المعادلة ب س نجد : س ص = س2 ع ص . ( كل الخطوات التي قمنا بها حتى الآن منسجمة تماماً مع قواعد الجبر العادي ) و بالاستفادة من أن س2 = س تصبح المعادلة الأخيرة س ص = س ع ص . إذن ص = س ص . و هذه تعني أن ” سقراط فان ” . لنوضح هذه الفكرة بطريقة أكثر بساطة . لذلك نفرض ثلاث مجموعات س , ع , ص بحيث أن س محتواة في ع ( أي أن س مجموعة جزئية من ع ) و أن ع محتواة في ص . فإننا نستنتج في المنطق الصوري أن س محتواة في ص . بينما يمكن البرهان على صحة هذه النتيجة في المنطق الحديث .
من أجل ذلك لنعرف عملية التقاطع على الشكل التالي : نقول إن س محتواة في ع يكافئ ( منطقياً ) أن تقاطعهما يساوي س . و نعني بالتكافؤ أن تحقق الأولى يقتضي الثانية , و تحقق الثانية يقتضي الأولى . و نعبر عن ذلك رمزياً س ↄ ع ↔ س∩ع= س ( ∩ : ترمز للتقاطع ) .
كذلك فإن ع ↄ ص ↔ ع ∩ ص =ع و بتعويض قيمة ع من المساواة الثانية في المساواة الأولى نجد :
س = س ∩ ع ∩ ص. و لكن س ∩ع∩ص= ( س ∩ع ) ∩ ص = س ∩ ص ( و ذلك بالاستفادة من المساواة الأولى ) إذن س = س ∩ ص , و هذا يكافئ أن س محتواة في ص .
و هذا التوضيح يعطي فكرة عن الطريقة التي استخدمها بول في معالجة قضايا المنطق بأسلوب جبري . لذلك يقال إن بول حينما وضع هذا الحساب المنطقي لم يدّع أن ماهية المنطق جبرية , و إنما أراد فقط أن يؤكد أنه ” إذا أمكن التعبير عن العمليات الجبرية و المنطقية برمز واحد فإن تعبيراتهما الرمزية تخضع لقوانين واحدة ” و مما أكده بول أيضاً في عمله أنه يجب ربط المنطق بالرياضيات و ليس بالميتافيزيقا كما كان يجادل الفيلسوف وليام هاملتون .
الفلاسفة و المنطق
على الرغم من أن ما قدمه بول في دراسته للمنطق كان من دون ريب نقطة انعطاف في تطور المنطق , إلا أنه من الملاحظ أن اهتمام الفلاسفة به كان أقل بكثير من اهتمام الرياضيين . فرغم أن بول نشر كتابه الأول في المنطق عام 1847م فالإضافة إلى كتاب آخر أصدره دي مورغان بشكل مستقل هو ” المنطق الصوري ” (Formal Logic ) و الذين كانا فتحاً علمياً جديداً إلا أن اهتمام الفلاسفة بالمنطق بشكل جدي لم يبدأ حتى مطلع القرن العشرين . مما سارع في هذا الاهتمام و بشكل خاص في انكلترا هو ظهور كتاب برتراندرسل ” أسس الرياضيات ” عام 1903م ثم ظهور كتابه ” أصول الرياضيات ” و الذي صدر في الفترة 1910- 1813 م و شاركه في تأليفه وايتهد . و هذا الكتاب لعب دوراً في نمو المنطق الرياضي لأنه من المعروف أن الفلسفة الغربية الحديثة ( الممتدة من عام 1600م إلى عام 1900م ) قد أهملت المنطق الصوري إهمالاً كبيراً بل و قامت بنبذه . فقد كان ليبنتز ( Leibntz) ( 1646- 1716 م ) الفيلسوف الوحيد بين الفلاسفة الكبار في أوربا الذي كان فيلسوفاً و منطقياً . أما الفلاسفة الآخرون فكانوا يجهلون أسس المنطق الصوري نفسه ومن هؤلاء فلاسفة كبار مثل كانت وديكارت . وهذا الأخير كان عدواً لدوداً للمنطق الصوري .
لذلك خصص لجورج بول حوالي صفحة في الموسوعة الفلسفية ( Encyclopedia of Philpsophy) (1967م) من أصل ثمانية مجلدات بينما خصص له بِلْ ( E.T.Bell) فصلاً كاملاًمن أصل تسع و عشرين فصلاً في كتابه ( Men of Mathematics ) .
و في الختام لابد من الاشارة إلى أن بول يعتبر واحداً من أبرز علماء الرياضيات و الذين عملوا في مجال الرياضيات البحتة في القرن التاسع عشر الميلادي . و قد استفاد من فكرة الرياضي في أبحاثه في المنطق . هذا و قد ذهب رسل في مقال له نشر في مطلع هذا القرن إلى أن ( الرياضيات البحتة قد اكتشفت من قبل جورج بول في عمله المعروف ” قوانين الفكر ” ) .
وقد أسيء فهم هذا القول في بعض الأوساط كما يبخس الكثير من الرياضيين حقوقهم و مكانتهم . وهذا ما حدا برسل إلى أن يبعث رسالة في عام 1954م إلى الأكاديمية الملكية الايرلندية و التي تحتفل عندها بذكرى مرور قرن على اصدار بول لكتابه ” قوانين الفكر ” يقول فيها : ( إن التعليق الذي اقتبستموه مني هو “أن الرياضيات البحتة قد اكتشفت من قبل بول ” يجب أن لا يؤخذ بمعناه الحرفي و لكن كتعبير أريد منه الاشارة إلى أهمية الموضوع الذي أنجزه بول ) . و من الجدير بالذكر أن مآثر بول المنطقية تستخدم في هذه الأيام على نطاق واسع في مجال الرياضيات البحتة , و في معالجة مشاكل التأمين و في نظرية المعلومات ( Information Theory ) و في مجالات أخرى .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشي:
- و هذا غير الرياضي الايرلندي السيروليام روان هاملتون (1805 – 1865م ) فالأول كان بارونا , وورث اللقب عن أسرته و الثاني كان رياضياً مرموقاً و حصل على اللقب بنآثره العلمية .
- عمها جورج ايفرست الذي تنسب إليه قمة ايفرست في جبال الهملايا بعد أن بلغها .
- تسمى كل عملية مقارنة بين كميتين من نوع واحد علاقة منطقية .
مراجع البحث :
A History of Mathematics C. Boyer –
Fundamentals of Mathematics M.Richardson –
Mind Tods R.Rucker –
Topics in Algebra I.N.Herstein-
- المنطق و فلسفة العلوم , بول موى , ترجمة : د. فؤاد حسن زكريا .
الفلسفة المعاصرة في أوربا , إ. م . بوشنسكي , ترجمة : د . عزت قرني .